عنوان الفتوى : كيف يتوب من رمى غيره بالكفر مازحا
قلت لأحد أقاربي: أنت كافر مازحاً قبل أربع سنوات، وكنت جاهلاً بالأحكام، هل أستسمحه وأستغفر الله؟ أفتوني ما هو الحل؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فانه لا يجوز رمي المسلم بالكفر جدا ولا مزحا، ففي الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر بلفظ: أيما رجل قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما. وزاد مسلم في رواية: إن كان كما قال؛ وإلا رجعت عليه. وفي لفظ آخر عند مسلم: إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما.
لكن قوله في الحديث : (إلا رجعت عليه) محمول على الكفر الأصغر عند أهل العلم، واستدلوا بحديث ثابت بن الضحاك عند البخاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمناً بالكفر فهو كقتله.
قال ابن قدامة في المغني: هذه الأحاديث على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على وجه الحقيقة. انتهى.
وقد عد أهل العلم من النبز المحرم تلقيب الشخص بالكفر والفسق فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الحجرات:11}.
وقد فسر البعض التنابز بدعوة الشخص بالكفر بعد أن أسلم، قال البخاري: ولا تنابزوا: يدعى بالكفر بعد الإسلام. اهـ
واذا عرفت منع هذا القول فتجب التوبة منه والاستغفار، كما يجب استسماح من رميته به لما فيه من الأذى إن كان ذلك الاستسماح لا يثير غضبه، والاستغفار والتحلل من المظلوم سبب لمحو الذنوب، قال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا {النساء:110}.
وفي الحديث: مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْه. أخرجه البخاري.
والله أعلم.