عنوان الفتوى : حكم من يسب القدر ومن يسمع هذا السب ومن يقول بحق الجحيم
هل سبّ القدر كفر؟ وما حكم من سمع شخصًا يسبّ القدر في أحد الأفلام أو ألعاب الفيديو مع إنكاره بقلبه وكرهه لما قال هذا الشخص؟ وما حكم من سمع أيضًا شخصًا يقول: "بحق الجحيم"؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سبّ القدر قد يصل إلى الكفر إن كان متضمنًا لأمر كفري كتنقص الرب -جل وعلا- أو نسبة الظلم إليه؛ قال الشيخ/ أحمد شاكر في تحقيقه للمسند معلقًا على حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال الله: يؤذيني ابن آدم؛ يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار. متفق عليه:
"وقد تأدب المسلمون في هذا بأدب الله ورسوله، حتى نشأت فيهم ناشئة رضعوا إلحاد أوروبا ووثنيتها، وغلبت على عقولهم وأدبهم، بما أشربوا من تعظيمها والخنوع لها في كل شأنهم، فصاروا يقلدون أولئك الحيوانات العجم الملحدة، وشاع على ألسنتهم كلام السوء، وغلبت عليهم شقوتهم، حتى كبار المتعلمين أو المتعالمين، فلا يتحرزون عن أن يقولوا كلمة الكفر، بسبّ الدهر، وسبّ القدر، ووصف القدر بما تنضح به عقولهم وقلوبهم، لا يفقهون ولا يعقلون".
وقد سئل الدكتور/ سليمان الماجد: ما حكم سب القدر؟ فأجاب: سبّ القدر محرم وكبيرة من كبائر الذنوب، وقد يصل بصاحبه إلى الكفر إذا تضمن تنقص الله تعالى أو نسبة الظلم إليه -جل وعلا-. اهـ.
وقال الدكتور/ عبد الرحمن البراك: الذي يقول: (سخافة الأقدار) يطعن في حكمة الله في تدبيره، ومن يطعن في حكمة الله فإنه ينسب الله إلى السفه، وكفى بهذا ضلالًا، فيجب على من أطلق ذلك أن يتوب إلى الله، فإنه يخشى عليه بإطلاقه هذه الكلمة من الردة، فيجب أن يبين له ويدعى إلى التوبة والرجوع إلى الله، ويبين له أن الله تعالى حكيم في خلقه وأمره، إن الله حكيم عليم، وفي الحديث الصحيح: إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه، فيجب الحذر من إطلاق مثل هذا المنكر الفاحش الذي يتضمن الطعن في صفات الله تعالى في حكمته وتدبيره -نعوذ بالله من الخذلان-. اهـ.
وأما مقولة "بحق الجحيم": فهي محرمة، كما في الفتوى رقم: 237337.
وأما حكم الاستماع إلى من يسب القدر أو يقول عبارة محرمة في فيلم أو لعبة أو غير ذلك: فهو محرم؛ لأن شهود المنكر من غير حاجة محرم، لقوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ {النساء:140}. قال ابن تيمية: ولا يجوز لأحد أن يشهد مجالس المنكرات باختياره بغير ضرورة، ورفع إلى عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- قوم شربوا الخمر، فأمر بجلدهم، فقيل: فيهم فلان صائم. فقال: به ابدأوا، أما سمعت الله تعالى يقول: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم}، فجعل حاضر المنكر كفاعله. اهـ. من مختصر الفتاوى المصرية.
وقد نص جمع من الفقهاء على حرمة التفرج على المحرم؛ كقول البجيرمي الشافعي في حاشيته على شرح الخطيب: وما هو حرام في نفسه يحرم التفرج عليه؛ لأنه رضا به، كما قاله ابن قاسم على المنهج. اهـ.
وكذلك ما جاء في حاشية الشرواني على تحفة المحتاج: قال الحلبي: وكل ما حرم، حرم التفرج عليه؛ لأنه إعانة على المعصية. اهـ.
لكن من شهد مشاهد فيها أفعال أو أقوال كفرية - وكان كارها لها ومنكرًا بقلبه - فلا يكفر بمشاهدته، وإنما حسبه الإثم، كما بيّنّاه في الفتوى رقم: 133676.
ثم إنه يظهر من النظر في أسئلتك أيها الأخ أنك مبتلى بالوسوسة في شأن الكفر، فننصحك بالإعراض عن تلك الوساوس، وعدم الالتفات إليها، ونوصيك بالانشغال بالسؤال عما تحتاجه من العلم النافع.
والله أعلم.