عنوان الفتوى : قاعدة: يقين الإسلام لا يزول بشك الكفر
هل تقبل توبة شخص قال: برئت من دين الإسلام. 2- هل قاعدة: يقين الإسلام لا يزول بشك الكفر، معتمدة عند الشافعية؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما التوبة من هذه الكلمة، فهي مقبولة إذا استوفت شروطها من الإقلاع، والعزم على عدم العودة، والندم على الفعل، وكل ذنب تاب منه العبد توبة صحيحة، فإن الله يقبل توبته، ويرجع كمن لم يذنب، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: التائب من الذنب، كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه.
وأما القاعدة المذكورة، فهي معتمدة عند الشافعية وغيرهم، بل الشافعية من أشد الناس تورعا في باب التكفير، وهم أبلغ من غيرهم تحذيرا منه ومن التوسع فيه، وقد أنكروا على بعض من يخالفهم من الفقهاء التوسع في هذا الباب، إعمالا للأصل وهو الإسلام، فإنه لا يزول إلا بيقين لا يحتمل التردد.
قال الفقيه ابن حجر المكي رحمه الله: يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يَحْتَاطَ فِي التَّكْفِيرِ مَا أَمْكَنَهُ؛ لِعَظِيمِ خَطَرِهِ، وَغَلَبَةِ عَدَمِ قَصْدِهِ سِيَّمَا مِن الْعَوَامّ، وَمَا زَالَ أَئِمَّتُنَا عَلَى ذَلِكَ قَدِيمًا، وَحَدِيثًا بِخِلَافِ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ تَوَسَّعُوا بِالْحُكْمِ بِمُكَفِّرَاتٍ كَثِيرَةٍ، مَعَ قَبُولِهَا التَّأْوِيلَ، بَلْ مَعَ تَبَادُرِهِ مِنْهَا. ثُمَّ رَأَيْتُ الزَّرْكَشِيَّ قَالَ عَمَّا تَوَسَّعَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ: إنَّ غَالِبَهُ فِي كُتُبِ الْفَتَاوَى، نَقْلًا عَنْ مَشَايِخِهِمْ، وَكَانَ الْمُتَوَرِّعُونَ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ، يُنْكِرُونَ أَكْثَرَهَا، وَيُخَالِفُونَهُمْ، وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْرُوفِينَ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ عَقِيدَتِهِ، إذْ مِنْهَا أَنَّ مَعَنَا أَصْلًا مُحَقَّقًا، هُوَ الْإِيمَانُ، فَلَا نَرْفَعُهُ إلَّا بِيَقِينٍ، فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا، وَلْيُحْذَرْ مِمَّنْ يُبَادِرُ إلَى التَّكْفِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنَّا وَمِنْهُمْ. انتهى.
والله أعلم.