عنوان الفتوى : دحض شبهات حول تزويج الصغيرة

مدة قراءة السؤال : 4 دقائق

أنا صاحب الفتوى رقم 294337، وقد أجبتم عن بعض النقاط مشكورين، وطلبتم مني المراسلة في بقيتها، قلتم إن اللائي لم يحضن سواء كبيرة أو صغيرة لم تحض، وقلتم إن غير واحد من السلف الصالح تزوج من صغيرة، ولكن واضح من البداية في سؤالي هو أن نكاح الصغيرة لم يعد صالحًا في عصرنا، وأن المعنى المرجو هي التي بلغت جسمانيًّا ولم يأتها الحيض، وأحاول التدليل على ذلك بنقطتين: أولًا: أقوال بعض الأئمة وهي معلومة لدى فضيلتكم مسبقًا: قال السرخسي في المبسوط: فلو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا فائدة، ولأن ثبوت الولاية على الصغيرة لحاجة المولى عليه، حتى إن في ما لا تتحقق فيه الحاجة لا تثبت الولاية كالتبرعات، ولا حاجة بهما إلى النكاح؛ لأن مقصود النكاح طبعًا هو قضاء الشهوة، وشرعًا النسل، والصغر ينافيهما، ثم هذا العقد يعقد للعمر وتلزمهما أحكامه بعد البلوغ، فلا يكون لأحد أن يلزمهما ذلك إذ لا ولاية لأحد عليهما بعد البلوغ. قال ابن عثيمين في شرحه على البخاري: وَالَّلائِي لَمْ يَحِضْنَ، يعني: اللائي لم يحضن عدتهن ثلاثة أشهر، ولا عدة إلا بعد نكاح، والتي لم تحض على حسب استدلال البخاري -رحمه الله تعالى- هي التي لم تبلغ، أي: صغيرة. ولكن قد يقال: إن البلوغ ليس علامته الحيض فقط، فقد تبلغ بخمس عشرة سنة وتُزوَّج، ولا يأتيها الحيض، فهذه عدتها ثلاثة أشهر، فلهذا استدلال البخاري فيه نظر؛ لأنه ما يظهر لنا أنها تختص بمن لا تحيض، فإنه يمكن أن تبلغ بتمام خمس عشرة بالإنبات، أو بالإنزال، كما هو معروف. ثم استطرد رحمه الله: فالمسألة عندي أن منعها أحسن، وإن كان بعض العلماء حكى الإجماعَ على جواز تزويج الرجل ابنته التي هي دون البلوغ، ولا يعتبر لها إذن، لأنها ما تعرف مصالحها. فالذي يظهر لي أنه من الناحية الانضباطية في الوقت الحاضر، أن يُمنع الأبُ من تزويج ابنته مطلقًا، حتى تبلغ وتُستأذن، وكم من امرأة زوّجها أبوها بغير رضاها، فلما عرفت وأتعبها زوجها قالت لأهلها: إما أن تفكوني من هذا الرجل، وإلا أحرقت نفسي، وهذا كثيرًا ما يقع، لأنهم لا يراعون مصلحة البنت، وإنما يراعون مصلحة أنفسهم فقط، فمنع هذا عندي في الوقت الحاضر متعين، ولكل وقت حكمه. ثانيًا: سؤال مما سبق، فقد كره بعض الأئمة العقد على الصغيرة خاصة أئمة زماننا، ولا بد أن أقف عند قول السرخسي أن زواج الصغيرة لا يحقق الغرض من الزواج ولا معنى له. ما الغرض الذي يتحقق من زواج من لم تحض أي لم يأتها تبويض، وبالتالي؛ هرمونات الأنوثة لم تفرز بالقدر الذي يترتب عليه مظاهر الأنوثة، وبالتالي فقد أصبح الزواج وطئا لا غير، أليس الأنسب في زماننا زواج من قد بلغت وصارت في حاجة وتفهم للزواج خاصة ما انتشر في زماننا من عنوسة وغيره، ثم إن ما كان من السلف فقد كان العرف وحال الأبدان لا ينكره، أما في زماننا صار مستنكرًا، وصار ملحقًا الضرر، وبالتالي؛ أرجو أن تفتونا بما يصلح لعصرنا لتفسير هذه الآية ،وحكم زواج الصغيرة، علمًا بأنه طبيًّا هذه الحالة معروفة بـ Primary amenorrhea

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإنا نشكرك على المتابعة معنا -بارك الله فيك- ونفيدك أن تفسير القرآن وأحكام الشرع لا تتغير بحسب العصور، ولئن كان الزواج بالكبيرة البالغة أفضل لحاجتها وصلاحيتها للإنجاب فهذا لا يمنع زواج الصغيرة ما لم يثبت نص شرعي يفيد التحريم، ثم إن السرخسي -رحمه الله تعالى- يرى مشروعية تزويج الصغيرة، وما اقتضبه السائل من المبسوط  ليس هو رأي السرخسي، بل هو جملة من كلام عزاه السرخسي لابن شبرمة والأصم، ثم أطال في بيان بطلانه محتجًّا بآية الطلاق وبعمل السلف، ومبينًا بعض فوائد زواج الصغيرات، فقال -رحمه الله- في المبسوط: وبلغنا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه تزوج عائشة -رضي الله عنها- وهي صغيرة بنت ست سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين, وكانت عنده تسعًا. ففي الحديث دليل على جواز نكاح الصغير والصغيرة بتزويج الآباء بخلاف ما يقوله ابن شبرمة وأبو بكر الأصم -رحمهم الله تعالى- أنه لا يزوج الصغير والصغيرة حتى يبلغا؛ لقوله: {حتى إذا بلغوا النكاح}، فلو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا فائدة, ولأن ثبوت الولاية على الصغيرة لحاجة المولى عليه حتى إن فيما لا تتحقق فيه الحاجة لا تثبت الولاية كالتبرعات, ولا حاجة بهما إلى النكاح; لأن مقصود النكاح طبعًا هو قضاء الشهوة، وشرعًا النسل، والصغر ينافيهما, ثم هذا العقد يعقد للعمر وتلزمهما أحكامه بعد البلوغ فلا يكون لأحد أن يلزمهما ذلك؛ إذ لا ولاية لأحد عليهما بعد البلوغ, وحجتنا قوله تعالى: {واللائي لم يحضن} بين الله تعالى عدة الصغيرة, وسبب العدة شرعًا هو النكاح, وذلك دليل تصور نكاح الصغيرة والمراد بقوله تعالى: {حتى إذا بلغوا النكاح} الاحتلام, ثم حديث عائشة -رضي الله عنها- نص فيه, وكذلك سائر ما ذكرنا من الآثار، فإن قدامة بن مظعون تزوج بنت الزبير -رضي الله عنه- يوم ولدت, وقال: إن مت فهي خير ورثتي, وإن عشت فهي بنت الزبير, وزوج ابن عمر -رضي الله عنه- بنتًا له صغيرة من عروة بن الزبير -رضي الله عنه- وزوج عروة بن الزبير -رضي الله عنه- بنت أخيه ابن أخته وهما صغيران، ووهب رجل ابنته الصغيرة من عبد الله بن الحسن، فأجاز ذلك علي -رضي الله عنه- وزوجت امرأة ابن مسعود -رضي الله عنه- بنتًا لها صغيرة ابنا للمسيب بن نخبة، فأجاز ذلك عبد الله -رضي الله عنه-, ولكن أبو بكر الأصم -رحمه الله تعالى- كان أصم لم يسمع هذه الأحاديث، والمعنى فيه أن النكاح من جملة المصالح وضعًا في حق الذكور والإناث جميعًا, وهو يشتمل على أغراض ومقاصد لا يتوفر ذلك إلا بين الأكفاء. والكفء لا يتفق في كل وقت فكانت الحاجة ماسة إلى إثبات الولاية للولي في صغرها, ولأنه لو انتظر بلوغها لفات ذلك الكفء, ولا يوجد مثله ولما كان هذا العقد يعقد للعمر تتحقق الحاجة إلى ما هو من مقاصد هذا العقد فتجعل تلك الحاجة كالمتحققة للحال لإثبات الولاية للولي ... اهـ.

ويمكنك أن تراسلنا مرة أخرى لنقاش بقية المسائل.

والله أعلم.