عنوان الفتوى : حكم إخراج مؤونة غذائية عن عدة كفارات يمين لأسرة مكونة من 9 أو 10 أشخاص
عليّ كفارات أيمان حنثت فيها، ولا أستطيع تقدير عددها؛ لأن معظمها عندما كنت في المرحلة المتوسطة، وقررت أن أكفر عن 25 يمينًا ليطمئن قلبي. سؤالي: لو وفرت مؤونة غذائية لأسرة فقيرة عدد أفرادها 9 أو 10 أشخاص -لست متأكدة-، وتكفيهم المؤونة مدة شهر، هل هذه الطريقة صحيحة؟ وهل هي كافية للتكفير عن هذا العدد من الأيمان (25 يمينًا)؟ المؤونة التي سأوفرها: دقيق، أرز، دجاج مجمد، حليب جاف، معلبات (مثل: القشطة، والتونة)، ومأكولات جافة (مثل: المكرونة، والبرغل، والعدس، واللوبيا). مع العلم أن هذا هو الغالب على أكلنا في عائلتي. أتمنى أن تجيبوني على طريقتي هذه بالتحديد ولكم جزيل الشكر والتقدير.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل البدء في الجواب عن سؤالك المحدد ينبغي أن ننبه أن الأيمان لا تلزمك إلا بالبلوغ، فإن شككت في البلوغ فلا يحكم ببلوغك، ولا يترتب على حلفك شيء. وراجعي الفتويين: 103637، 26889.
وكذلك ينبغي أن تعلمي أن من جهل عدد الأيمان التي تلزمه كفاراتها فله أن يأخذ بالأقل، فإن شك -مثلًا- هل عليه خمس كفارات أو ست؟ فعليه أن يكفر عن خمس؛ لأن الأصل عدم لزوم الكفارة، وهو الذي رجحه العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- في فتاوى نور على الدرب، حيث قال: إذا شك الإنسان فيما عليه من واجب القضاء فإنه يأخذ بالأقل، فإذا شكَّت المرأة أو الرجل هل عليه قضاء ثلاثة أيام أو أربعة؟ فإنه يأخذ بالأقل؛ لأن الأقل متيقن، وما زاد مشكوك فيه، والأصل براءة الذمة، ولكن مع ذلك؛ الأحوط: أن يقضي هذا اليوم الذي شك فيه؛ لأنه إن كان واجبًا عليه فقد حصلت براءة ذمته بيقين، وإن كان غير واجب فهو تطوع، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا. انتهى. وراجعي الفتوى رقم: 224551.
وأما ما سألت عنه تحديدًا: فإن جمهور أهل العلم كمالك، والشافعي، وأحمد في الصحيح عنه ذهبوا إلى أنه لا يجوز أن تدفع كفارة اليمين إلى أقل من عشرة مساكين؛ لنص الله تعالى على عددهم، وهو الراجح.
فمن لم يجد عشرة مساكين، فقد ذهب أحمد في رواية والثوري إلى أنه إن لم يجد عشرة مساكين يرد على الموجود منهم في كل يوم حتى يتم العشرة، فإن لم يجد إلا واحدًا ردد عليه تتمة عشرة أيام، وإن وجد اثنين ردد عليهما خمسة أيام، ولعل هذا هو الراجح لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16}.
ثم الواجب أن يدفع إلى كل واحد منهم المقدار المجزئ في الكفارة، وهو: مد من طعام (أي: حوالي 750جرامًا تقريبًا من الأرز)، والأحوط: أن يجعل قدر المخرج نصف صاع -أي: كيلو ونصف تقريبًا- ولو صنع طعامًا ودعا إليه المساكين، فهل يجزئ أو لا؟ في ذلك خلاف بين العلماء، والراجح -إن شاء الله- أنه يجزئه، وإن كان الأحوط أن يملكهم الطعام خروجًا من الخلاف؛ قال المرداوي في الإنصاف: قوله -أي: ابن قدامة في المقنع- وإن أخرج القيمة أو غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه، هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب، وجزم به في المغني، والوجيز، وغيرهم، وقدمه في المحرر، والشرح, والفروع، وغيرهم، وعنه يجزئه إذا كان قدر الواجب، واختار الشيخ تقي الدين -رحمه الله- الإجزاء، ولم يعتبر القدر الواجب، وهو ظاهر نقل أبي داود، وغيره، فإنه قال: أشبعهم؟ قال: ما أطعمهم؟ قال: خبزا ولحما إن قدرت أو من أوسط طعامكم. انتهى.
وفي حال دعوة المساكين إلى طعام يأكلونه، لا بد أن يكون مما يقتات به، ولا تجزئ فيه الفاكهة، واختلف هل يجزئ أن يغديهم أو يعشيهم أو لا بد من أن يغدي المساكين ويعشيهم؟ وقد رجحنا أنه لا بد من أن يغدي المساكين ويعشيهم، وانظري لذلك الفتوى رقم: 95847.
وكذلك لا حرج في إخراج الكفارات كلها دفعة واحدة لأسرة مكونة من عشرة أشخاص؛ جاء في المجموع في الفقه الشافعي: وإن وجب عليه كفارتان من جنس أو جنسين، فدفع إلى كل مسكين مدين، أجزأه؛ لأنه لم يدفع إليه عن كل كفارة أكثر من مد. وراجعي الفتوى رقم: 235984.
وعليه؛ فإن كان الطعام الذي ذكرته يكفيهم غداء وعشاء هذه المدة كلها فيجزئك عن 25 كفارة وزيادة، أو كان الأرز يبلغ 187 كيلو ونصف فإن ذلك يجزئك أيضًا.
والله أعلم.