عنوان الفتوى : كفارة الأيمان المتعددة
ماذا علي لو كررت الحلف في ترك فعل واحد، ولكن بتعدد الصياغات لتركه مثلا: والله لا أفعله، والله العظيم آخر مرة أفعله، والله لأتركنه إلى الأبد، والمقصود بكل هذا الحلف ترك فعل واحد؟ وفي كل مرة أعود ثم أحلف، وأنا إلى الآن لم أكفر عن الحلف السابق، هل علي كفارة واحدة للجميع أم على كل صيغة كفارة؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى رقم: 280234، أن كثرة الحلف منهي عنها شرعا، قال تعالى: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {البقرة:224}، وقال سبحانه: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ {المائدة:89}، وقد جاء في القرءان الكريم وصف من يكثر الحلف ضمن أوصاف غير محمودة كالمشاء بالنميمة والهماز وغيرهما، قال تعالى: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ...{القلم:10- 11، فلتتق الله تعالى، ولتعود لسانك على التقليل من الحلف ما أمكن.
ولا يخلو حالك من أحد أمرين:
1ـ أن تكون الأيمان متعاقبة، ولم يتخللها فعل المحلوف عليه، فلا يلزمك سوى كفارة واحدة عند الحنث، كما بينا بالفتويين التالية أرقامهما: 172205، 166049، وتوابعها.
2ـ لو حلفت، وحنثت في يمينك، ثم حلفت مرة أخرى ـ وهذا ظاهر السؤال ـ فهي يمين جديدة؛ فإن كنت أديت الكفارة عن الأولى، لزمتك كفارة أخرى بالإجماع، فإن لم تكفري عنه فالأصح لزوم الكفارة عن كل يمين، وهو مذهب جمهور العلماء، وانظري الفتاوى التالية أرقامها:280882، 241504، 79783.
جاء في الموسوعة الفقهية: لا خلاف في أن من حلف يمينا فحنث فيها وأدى ما وجب عليه من الكفارة، أنه لو حلف يمينا أخرى وحنث فيها تجب عليه كفارة أخرى، ولا تغني الكفارة الأولى عن كفارة الحنث في هذه اليمين الثانية، وإنما الخلاف فيمن حلف أيمانا وحنث فيها، ثم أراد التكفير، هل تتداخل الكفارات فتجزئه كفارة واحدة؟ أو لا تتداخل فيجب عليه لكل يمين كفارة؟ تتداخل الكفارات على أحد القولين عند الحنفية، وأحد الأقوال عند الحنابلة، ولا تتداخل عند المالكية ولا الشافعية. انتهى.
وجاء فيها: اختلف الفقهاء فيما يجب بالحنث في الحلف بأيمان متعددة على أمور شتى نحو أن يقول: والله لا أدخل دار فلان، والله لا أكلم فلانا ففعل ذلك كله على قولين: القول الأول: أنه يجب على الحالف لكل يمين كفارة، وإليه ذهب الحنفية والمالكية والشافعية، وهو ظاهر كلام الخرقي، ورواية المروزي عن أحمد، القول الثاني: أنه يجب على الحالف كفارة واحدة، وبه قال أحمد في رواية ابن منصور، قال القاضي: وهي الصحيحة وهو قول محمد من الحنفية، وقد استدل القائلون بتعدد الكفارات بأنهن أيمان لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى، فلم تتكفر إحداها بكفارة الأخرى، كما لو كفر عن إحداها قبل الحنث في الأخرى، وكالأيمان المختلفة الكفارة، وبهذا فارق الأيمان على شيء واحد، فإنه متى حنث في إحداها كان حانثا في الأخرى، فإن كان الحنث واحدا كانت الكفارة واحدة، وهاهنا تعدد الحنث، فتعددت الكفارات، وفارق الحدود فإنها وجبت للزجر وتندرئ بالشبهات بخلاف مسألتنا، ولأن الحدود عقوبة بدنية، فالموالاة بينها ربما أفضت إلى التلف فاجتزئ بإحداها، وهاهنا الواجب إخراج مال يسير أو صيام ثلاثة أيام، فلا يلزم الضرر الكثير بالموالاة فيه، ولا يخشى منه التلف، بينما استدل أصحاب القول الثاني بأنها كفارات من جنس فتداخلت كالحدود من جنس، وإن اختلف محالها بأن يسرق من جماعة أو يزني بنساء. انتهى.
والله أعلم.