عنوان الفتوى : مطاوعة الزوجة لزوجها حال وقوع الطلاق مسلك غير سديد
أود طرح مشكلتي وأرجو الرد بالتفصيل للأهمية في تحديد مستقبل أسرتي ودمارها: أنا متزوجة من رجل سريع الغضب، ولديه بعض المشاكل النفسية -مثل: الكآبة الشديدة- منذ سبعة أعوام، ولدينا طفلتان بعمر 5 و6 سنوات، تجادلنا بأول سنة من الزواج وغضب وتلفظ بالطلاق دون أن يقوم بتكسير أي شيء، لكنه صفعني على وجهي، وقال لي: أنت طالق. وتلفظ بالطلاق بهدف إسكاتي عن الصراخ، لكنه كان يعي ما يقول ولم يخرج عن وعيه، ثم هدأ بعد قليل، وقال: أرجعتك. ثم تكرر نفس الحادث بعد سنتين وبنفس الظروف، وأرجعني باليوم التالي. والآن غضب غضبا بسيطا وتلفظ بالطلاق، وأرسل إلي رسالة لتأكيده الطلاق، ثم كالعادة ندم بعد عدة ساعات، وعاد ليقنعني بتساهل المفتين بموضوع الطلقات، ومحاولة إلغاء إحدى تلك الطلقات مراعاة لأطفالنا، ولضمان عدم دمار الأسرة؛ فهو يحاول إقناعي باعتبار إحدى هذه الطلقات وقعت عن غضب شديد، رغم أن غضبه لم يكن يفقده إدراكه وكان يعي ما يقول ويتعمد لفظ الطلاق! أرجوكم ساعدوني: هل أوافقه على التهاون بإلغاء إحداهن بحجة الغضب أم أبقى على فتوى المفتي القائلة بإيقاع الغضب؟ وهل أكون آثمة إن تهاونت معه بإلغاء طلقة بحجة الغضب الشديد رغم علمي بأن غضبه كان لا يفقده الوعي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالغضب أمره خطير، وهو سبيل لكثير من المفاسد والشرور، ومن هنا حذر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأكد التحذير؛ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني. قال: ( لا تغضب ). فردد مرارًا، قال: ( لا تغضب ). والحلم خلق يمكن أن يكتسب، فيتكلفه المرء حتى يصبح سجية له، ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وإنما الحلم بالتحلم" رواه الطبراني، وغيره، وحسنه الألباني. ومن الغريب أن يحلم كثير من الرجال ويحسن خلقه في معاملة الناس، ويجهل ويشتد غضبه ويسوء خلقه مع زوجته، ففي سنن الترمذي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"خيركم خيركم لأهل،ه وأنا خيركم لأهلي".
والغضبان مكلف؛ فهو مؤاخذ بأقواله إلا أن يصل به الغضب إلى حد لا يعي فيه ما يقول، فلا يقع طلاقه في هذه الحالة، للحديث الذي رواه أحمد، وابن ماجه، عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق". قال ابن القيم في زاد المعاد: قال شيخُنا -يعني ابن تيمية-: وحقيقةُ الإغلاق: أن يُغلق على الرجل قلبُه، فلا يقصِدُ الكلام، أو لا يعلم به، كأنه انغلق عليه قصدُه وإرادتُه...... ويدخل في ذلك طلاقُ المكرَه والمجنون، ومن زال عقلُه بسُكر أو غضب، وكُلُّ من لا قصد له ولا معرفة له بما قال. اهـ.
وزوجك أدرى بحاله عند التلفظ بالطلاق، وما إن كان في حالة وعي أم لا. فليراجع المحكمة الشرعية عندكم ويبين حقيقة ما حدث في الحالات الثلاث، ويمكنه أيضًا مشافهة أحد العلماء الثقات عندكم.
ولا يجوز تتبع الرخص لمجرد الهوى وإلغاء إحدى الطلقات هكذا على زعم أن المفتين يتساهلون بموضوع الطلقات، فهذا النهج مذموم، وهو نوع من اتباع الهوى، لا تحل به الزوجة لزوجها إن كانت قد حرمت عليه، فيجب الانتباه لذلك.
ولا يجوز لك التهاون معه في هذا الأمر، ومطاوعته في رجعتك على غير هدى، فعلى المرأة مسؤوليتها في هذه الحالة، حتى إن بعض أهل العلم قد ذكر أن المرأة إذا سمعت زوجها طلقها ثلاثا وأنكر -مثلًا- أنها لا يجوز لها تمكينه من نفسها، ويجب عليها مفارقته ولو بافتداء نفسها منه؛ جاء في المغني لابن قدامة: فإذا طلق ثلاثا وسمعت ذلك وأنكر أو ثبت ذلك عندها بقول عدلين لم يحل لها تمكينه من نفسها، وعليها أن تفر منه ما استطاعت، وتمتنع منه إذا أرادها، وتفتدي منه إن قدرت، قال أحمد: لا يسعها أن تقيم معه. وقال -أيضا-: تفتدي منه بما تقدر عليه, فإن أجبرت على ذلك فلا تزين له ولا تقربه وتهرب إن قدرت، وإن شهد عندها عدلان غير متهمين فلا تقيم معه، وهذا قول أكثر أهل العلم.... إلى أن قال: لأن هذه تعلم أنها أجنبية منه محرمة عليه، فوجب عليها الامتناع والفرار منه كسائر الأجنبيات. اهـ. وليس مقصودنا أن حالتك كهذه الحالة تمامًا، وإنما المقصود عدم التهاون.
والله أعلم.