عنوان الفتوى : كره تعدد الزوجات والحور العين.. رؤية واقعية نفسية
قرأت عندكم أن عدم إنكار الكفر في القلب يكون كفرا، وأنا خفت لأني لا أشعر أني أنكر المنكرات في قلبي، ولكن عندما علمت حكم عدم إنكار الكفار أصبحت أحاول أن أنكره في قلبي، ولكن أحيانا أنسى أو أتهاون، ولا أجاهد في إنكاره، وأنا دعوت الله عز وجل أن يصلح قلبي ويجعلني أكره المنكرات. وأيضا عندي وساوس عن الكفر فأنا كثيرا أشك أني كافرة بعدما عرفت نواقض الإسلام، وعرفت أني وقعت فيها، حتى أني أصبحت لا أقرأ القرآن؛ لأني أفكر أني مرتدة ولن ينفعني، ولكن موضوع إنكار الكفر ليس بوسواس. وأيضا أنا لا أحب تعدد الزوجات، ولكن عندما أفكر هل أنا أكره تعدد الزوجات من أجل الزوجات أو من أجل الحكم نفسه؟ قلبي يشعر بالضيق من الحكم نفسه. وأخشى أن أكفر كذلك، أغار من الحور العين لأنهن جميلات، وأحاديث تفضيل نساء الدنيا على الحور العين ضعيفة، وأتضايق عندما أقرأ أو أسمع أن رجلا رأى الحور في المنام ووصف شكلها وكم أعجبته حقا، حقا أحيانا لا أتحمل، وربما أود البكاء، هل يعني أن الحور أفضل منا؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإنسان لا يكفر بمجرد سكوته عن إنكار الكفر ما لم يكن مقرا له راضيا به، وإن كان قد يأثم إن كان سكوته لمجرد الخجل وخشية الناس، وقد تقرر في الشريعة أن من ثبت إسلامه بيقين، لا يزول إسلامه بالشك، وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، فلا يكفر المسلم إلا إذا أتى بقول أو بفعل أو اعتقاد دل الكتاب والسنة على كونه كفراً أكبر مخرجا من ملة الإسلام، أو أجمع العلماء على أنه كفر أكبر، ومع ذلك، فلا يحكم بكفر المعين إلا إذا توفرت فيه شروط التكفير، وانتفت عنه موانعه، ومن ذلك أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً غير معذور بجهل أو تأويل فيما يكون فيه الجهل والتأويل عذراً.
وأما الوساوس فعلاجها بالإعراض الكلي عن الاسترسال مع الشيطان فيها، وبالحرص على زيادة الإيمان والبعد عن كل ما يناقضه.
وأما كره التعدد والحور العين والتضايق منه بمقتضى الطبع لما جبلت عليه النفس من الغيرة، ومشقة ذلك على النفس مع الرضا والتسليم بالحكم الشرعي، فهذا لا يكفر به صاحبه، ومن هذا الباب ما جاء في كراهة بعض الصحب للجهاد، فالمراد بالكراهية فيه نفور الطبع عنه، لما فيه من مشقة القتال على النفس البشرية وخطره على الروح، لا أن الصحب كرهوا أمر الله، كذا قال البغوي في تفسيره، وقال ابن كثير في التفسير: قوله تعالى: وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ {البقرة: 216} أي شديد عليكم ومشقة، وهو كذلك فإنه إما أن يقتل أو يجرح مع مشقة السفر ومجالدة الأعداء، ثم قال: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ {البقرة: 216} أي لأن القتال يعقبه النصر والظفر على الأعداء والاستيلاء على بلادهم وأموالهم وذراريهم وأولادهم: وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ {البقرة: 216} وهذا عام في الأمور كلها قد يحب المرء شيئا وليس له فيه خير ولا مصلحة، ومن ذلك القعود عن القتال قد يعقبه استيلاء العدو على البلاد والحكم. اهـ.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير عند تفسير قوله تعالى: وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ {الأنفال:5}: فيها قولان: أحدهما: كارهون خروجك، والثاني: كارهون صرف الغنيمة عنهم، وهذه كراهة الطبع، لمشقة السفر والقتال، وليست كراهة لأمر الله تعالى. اهـ.
وقال الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير وهو يبين المراد بالحرج في قول الله تعالى: ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ {النساء:65}: وليس المراد الحرج الذي يجده المحكوم عليه من كراهية ما يلزم به إذا لم يخامره شك في عدل الرسول صلى الله عليه وسلم وفي إصابته وجه الحق، وقد بين الله تعالى في سورة النور كيف يكون الإعراض عن حكم الرسول كفرا، سواء كان من منافق أم من مؤمن، إذ قال في شأن المنافقين: وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله.... ثم قال: إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ـ لأن حكم الرسول بما شرع الله من الأحكام لا يحتمل الحيف، إذ لا يشرع الله إلا بالحق، ولا يخالف الرسول في حكمه شرع الله تعالى. انتهـى.
والله أعلم.