عنوان الفتوى : حكم تعليم الأطفال والجهال الأحكام الشرعية

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل يجب تعليم الطفل الجاهل بالأحكام إذا اتضح جهله بالحكم؟ وهل ينطبق ذلك على كل الأحكام أم الأحكام الرئيسية التي يستوعبها؟ وهل يجب تعليم الجاهل البالغ إذا كان سيجحد الحكم أو سيستهزئ بي؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالصغير الذي يجهل من أمر دينه ما يحتاج إليه يستحب تعليمه، وقد يجب، بحسب الفعل والحال، فعن عباد بن شرحبيل قال: أصابتني سنة، فدخلت حائطا من حيطان المدينة، ففركت سنبلا، فأكلت، وحملت في ثوبي، فجاء صاحبه فضربني، وأخذ ثوبي، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له: ما علمته إذ كان جاهلًا، ولا أطعمته إذ كان جائعًا. رواه أحمد، والأربعة، وصححه الألباني. وفي هذا الحديث: الحث على تعليم الصبيان ما يحتاجونه، ويتأكد هذا في حق الوالدين، ثم الأقرب فالأقرب، قال الجصاص في (أحكام القرآن) عند قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا {التحريم:6}: روي عن علي في قوله: { قوا أنفسكم وأهليكم } قال: "علموا أنفسكم وأهليكم الخير" وقال الحسن: "تعلمهم، وتأمرهم, وتنهاهم". وهذا يدل على أن علينا تعليم أولادنا, وأهلينا الدين, والخير, وما لا يستغنى عنه من الآداب، وهو مثل قوله تعالى: { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها }، ونحو قوله تعالى للنبي -صلى الله عليه وسلم-: {وأنذر عشيرتك الأقربين }، ويدل على أن للأقرب فالأقرب منا مزية به في لزومنا تعليمهم، وأمرهم بطاعة الله تعالى، ويشهد له قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته"، ومعلوم أن الراعي كما عليه حفظ من استرعي، وحمايته, والتماس مصالحه, فكذلك عليه تأديبه, وتعليمه... اهـ.
وقال ابن مفلح في (الفروع): مذهب الشافعي: أن تعليم الأب وسائر الأولياء ما يحتاجه الابن لدينه يجب. قال الشافعي، وأصحابه: وكذا الأم لعدم الأب. ويتوجه لنا مثله؛ لحديث عبد الله بن عمر: "وإن لولدك عليك حقا" رواه أحمد, ومسلم. اهـ.
وجاء في (منظومة الآداب) للمرداوي:
(وأنكر على الصبيان كل محرم ... لتأديبهم والعلم في الشرع بالردي)
قال السفاريني في شرحه (غذاء الألباب): (وأنكر) أيها المكلف المتبع الأوامر الشرعية، العالم بأحكامها الفرعية، (على الصبيان) جمع: صبي، هو الصغير, أعني: الذي لم يبلغ سن التكليف، هذا مراده .. (كل) فعل, وقول (محرم) في نفسه, وإن لم يكن الفاعل آثما، فإن الصبي الذي ليس بمكلف لا إثم عليه، وإنما ينكر عليهم ذلك (لـ) أجل (تأديبهم) وزجرهم عن ملابسة ما حرمه الله تعالى. ولا فرق بين كون الصبيان ذكورا أو إناثا, (و) لأجل (العلم في الشرع) .. المراد بالشرع هنا: المشروع من الله -سبحانه وتعالى- على لسان نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- فيستحب الإنكار عليهم لذلك, يعني: لتأديبهم, وللعلم أن هذا في الشرع (با) لفعل (الردي) أي: القبيح الذي لا ينبغي أن يقر عليه فاعله ولو غير مكلف، فإذا علموا ذلك؛ وقر قبحه في صدورهم فلم يفعلوه. وقد صرح الحجاوي -رحمه الله تعالى- بأن إنكار ذلك على أولئك مستحب، ولفظه: ويستحب الإنكار على الأولاد الذين دون البلوغ، سواء كانوا ذكورا أو إناثا تأديبا لهم، وتعليما. قال الأصحاب: لا ينكر على غير مكلف إلا تأديبا له وزجرا. انتهى. وظاهر كلام الإمام ابن الجوزي أن الإنكار واجب كما قدمنا، فإن قوله "فعليه أن يريق خمره ويمنعه، وكذلك عليه أن يمنعه من الزنا" ظاهر في الوجوب كما لا يخفى. وهذا -والله أعلم- أظهر. اهـ.
وجاء في (الموسوعة الفقهية): على الآباء، والأمهات, وسائر الأولياء: تعليم الصغار ما يلزمهم بعد البلوغ، فيعلم الصغير ما تصح به عقيدته من إيمان بالله, وملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر، وما تصح به عبادته، ويعرفه ما يتعلق بصلاته, وصيامه, وطهارته, ونحوها. وذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: {مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين, واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين, وفرقوا بينهم في المضاجع}. ويعرفه تحريم الزنا, واللواط, والسرقة, وشرب المسكر, والكذب, والغيبة, وشبهها. كما يعلم أنه بالبلوغ يدخل في التكليف, ويعرف ما يبلغ به. وقيل: هذا التعليم مستحب. ونقل الرافعي عن الأئمة وجوبه على الآباء والأمهات، وهذا ما صححه النووي. ودليل وجوب تعليم الصغير قول الله -عز وجل-: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا} قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-, ومجاهد, وقتادة: معناه: علموهم ما ينجون به من النار" وهذا ظاهر. اهـ.

ونحو هذا الخلاف يجري في تعليم الجاهل البالغ، هل يجب قبل أن يسأل أم لا يجب إلا بسؤاله؟ كما أشرنا إليه في الفتوى رقم: 251956.

وأما تعليم من يظن فيه جحود الحكم أو الاستهزاء به لسوء فهمه: فهذا أيضًا يختلف حكمه بحسب الحال، وما يترتب عليه من فتنة للجاهل، وعلى أية حال؛ فمن لا يبلغ فهمه مسألة من المسائل ينبغي أن لا يحدث بها، إذا ترتب على ذلك فتنة, وشر أعظم مما وقع فيه من الخطأ. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 129154.

والله أعلم.