عنوان الفتوى : وجود مشقة في بعض التكاليف الشرعية لا يتعارض مع يسر الدين وسماحته

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

قال الله تعالى: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" إذن فلماذا أشعر أحيانًا بثقل الأحكام؟ مثلًا: القول بحرمة الطبل وجواز الدف، مع أنهما يصدران صوتًا واحدًا، ولا فرق بين الطبل والدف إلا أن الطبل له رقبة. مثال آخر: قول أحد الشيوخ بحرمة لبس العباءة لضيقها من عند السواعد، ووجوب تغطية المرأة لما بين الرقبة إلى الذقن، لأنه لا يعتبر من الوجه، وحرمة ارتداء زيّ سوى الإسدال الذى ينسدل على الجسد من الرأس، أما عباءة الكتف لا تجوز. نعم سمعت هذا كله، وهو ما جعلني أشعر بثقل الأحكام، وأسأل الله أن يغفر لي ولكم. فماذا أفعل؟ وهل هذا يتعارض مع قول الله تعالى: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، وأن الشريعة الإسلامية سمحة يسيرة؟

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فشريعة الله حنيفية سمحة، مبنية على اليسر، والتخفيف على العباد، ورفع الحرج عنهم، وهذا من قواعد الشريعة وأصولها، كما قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ  {الحج:78}،  وقال سبحانه: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ {البقرة:185}، وقال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ {النساء:28}، والنصوص في هذا المعنى كثيرة، ولا ينفي هذا أن توجد بعض أحكام الشرع مشتملة على نوع مشقة؛ لما يعلمه الله في ذلك من الحكمة، فما وجد من الأحكام مشتمل على المشقة، لم يرد الله به أن يعنت على عباده، ولا أن يشق عليهم، وإنما أراد به مصلحتهم، وما فيه نفعهم في دنياهم وآخرتهم، فهذه المشقة التي اشتملت عليها الأحكام تتضمن مصالح كبيرة دينية ودنيوية، وكلما التزم العبد بفعل ما أمره الله به، وترك ما نهاه الله عنه، ولو شق عليه، كان ذلك سببا لمزيد الأجر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: فالله سبحانه إنما حرم علينا الخبائث؛ لما فيها من المضرة والفساد، وأمرنا بالأعمال الصالحة؛ لما فيها من المنفعة والصلاح لنا، وقد لا تحصل هذه الأعمال إلا بمشقة؛ كالجهاد، والحج، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وطلب العلم، فيحتمل تلك المشقة، ويثاب عليها لما يعقبه من المنفعة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة لما اعتمرت من التنعيم عام حجة الوداع: ((أجرك على قدر نصبك)). انتهى.

فهذا الأصل الذي قررناه يتضح لك به هذا المعنى، وأن ما كان شاقًّا عليك من التكاليف، وثقيلًا من الأحكام، فعليك أن تمتثليه ابتغاء مثوبة الله -تبارك وتعالى-، عالمة أنه لم يشرعه إلا لحكمة، ومصلحة، يستحق الحمد عليها، وسرعان ما يتيسر عليك الالتزام بالأمر حتى تخف عليك هذه التكاليف، فتؤدين الحق سماحة لا كظمًا، وطواعية لا كرهًا، وتكونين طيبة النفس بها، منشرحة الصدر بأدائها، هذا من حيث الأصل، وأما بخصوص ما ذكرتِ من المسائل: فالفرق بين الطبل والدف واضح، وليس الصوت الذي يصدره الطبل, كالذي يصدر عن الدف، والشرع لا يفرق بين متماثلين, ولا يجمع بين مختلفين.

وأما ما ذكرتِه من الاجتهادات الخاصة بلباس المرأة: فإن المقصود أن تلبس المرأة ما يستر جميع بدنها, فلا يصف شيئًا منه, لا لونه, ولا حجمه، فإذا استوفى الملبوس هذه الشروط, ولم يكن زينة في نفسه, فهو جائز لا حرج في لبسه، وفي موقعنا فتاوى كثيرة جدًا متعلقة بالمسائل المذكورة, وغيرها مما يتعلق بلباس المرأة, فانظريها -إن شئت- عن طريق العرض الموضوعي للفتاوى.

والله أعلم.