عنوان الفتوى : متى يصل الإنسان إلى درجة طالب العلم أو العالم؟
من مشهور الأحاديث النبوية قوله - صلى الله عليه و سلم -: "إنما الأعمال بالنيات ... "، وأنا طالب في كلية للعلوم الدنيوية، فهل إذا تعاهدت نفسي في حفظ حديث أو حديثين يوميا بنية أن أتفقه في الدين، وأتعلم السنة؛ فهل يمكن أن أكتب عند الله من طلبة العلم الشرعي أو علماء العلم الشرعي؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجزى الله السائل خيرا على حرصه وسعيه لحفظ الحديث وتعلم السنة، ورغبته في طلب العلم الموروث عن سيد المرسلين.
وأما سؤاله، فجوابه: أنه إن فعل ما ذكر، وحفظ كل يوم ما تيسر له من الحديث النبوي، مع تفهمه لمعناه ولو إجمالا، فإنه بذلك يكون من جملة طلبة العلم، ويحظى بما يليق بحاله من الفضائل الثابتة في حقهم، كحديث صفوان بن عسال -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد متكئ على برد له أحمر، فقلت له: يا رسول الله إني جئت أطلب العلم؟ فقال: "مرحبا بطالب العلم؛ إن طالب العلم تحفه الملائكة بأجنحتها ثم يركب بعضهم بعضا حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب". قال المنذري: رواه أحمد والطبراني بإسناد جيد واللفظ له، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. وروى ابن ماجه نحوه باختصار. اهـ. وحسنه الألباني.
وهذا يدل على أن طالب العلم هو الراغب فيه، الساعي في تحصيل شيء منه، وقد حدّث صفوان بن عسال -رضي الله عنه- بهذا الحديث زرَّ بنَ حبيش مبشرا إياه عندما جاء يسأله عن مسألة المسح على الخفين. ثم إن طلاب العلم تتفاوت مراتبهم بحسب هممهم في الطلب، وملازتهم له، وفهمهم فيه. وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم كل من سلك سبيلا لطلب شيء من العلم فقال: "من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة". قال الطيبي في شرح المشكاة: إنما أطلق الطريق والعلم ليشملا في جنسهما أي طريق كان ... وأي علم كان من علوم الدين، قليلاً كان أو كثيراً، رفيعاً أو غير رفيع. اهـ.
وأما منزلة العلماء فلا يبلغها كل من سلك سبيل التعلم، ولذلك قال علي -رضي الله عنه-: "الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق". رواه أبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخه.
فطالب العلم وإن كان فاضلا كريمَ المنزلة إلا إن منازل العلماء أجل وأرفع، وفي كلٍّ خير، ولذلك جمع النبي صلى الله عليه وسلم في حديث واحد بين فضل طالب العلم وفضل العالم، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر". رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد وابن حبان، وصححه الألباني. فذكر للطالب فضيلتين، وللعالم ثلاثة. وراجع الفتوى رقم: 54541.
وهنا ننبه على أمرين:
ـ الأول: أن العالم في الاصطلاح هو: المؤهل للفتوى ومنصب التعليم، وراجع في بيان صفاته أو شروطه الفتويين: 6033، 250000.
ـ والثاني: أن العالم في الحقيقة الشرعية لا يطلق إلا على العامل بعلمه الذي يخشى الله تعالى. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:من كان عالما بما أمر الله تعالى به وما نهى عنه فهو عالم بالشريعة، ومن لم يكن عالما بذلك فهو جاهل. اهـ. وقال أيضا: ومما يدل على هذا المعنى: قوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} والمعنى: أنه لا يخشاه إلا عالم؛ فقد أخبر الله أن كل من خشي الله فهو عالم كما قال في الآية الأخرى: {أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}. اهـ.
وقال أيضا: قال أبو حيان التيمي: " العلماء ثلاثة: عالم بالله وبأمر الله، وعالم بالله ليس عالما بأمر الله، وعالم بأمر الله ليس عالما بالله. فالعالم بالله الذي يخشاه. والعالم بأمر الله الذي يعلم حدوده وفرائضه. وقد قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} . وهذا يدل على أن كل من خشي الله فهو عالم، وهو حق، ولا يدل على أن كل عالم يخشاه. اهـ.
والله أعلم.