عنوان الفتوى : أضواء على حديث: إن الرجل ليحرم ‏الرزق بالذنب يصيبه

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

علماءنا الكرام.‏ أرجو إلقاء الضوء على حديث: إن ‏العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. ‏‏(تفصيلا) وكيفية جمع معنى ‏الحديث، مع ما نراه، ونلمسه في ‏واقعنا مِمَّن هو مقيم على معاصي ‏كثيرة، ومع ذلك يبسط له في رزقه.‏ وجزاكم الله عنا، وعن المسلمين ‏خير الجزاء.‏

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكر هذا الإشكال، وجوابه بعض ‏العلماء.‏
‏ قال القاري في مرقاة المفاتيح، ‏شرح مشكاة المصابيح: قال المظهر: ‏له معنيان:

أحدهما: أن يراد بالرزق ‏ثواب الآخرة.

وثانيهما: أن يراد به ‏الرزق الدنيوي من المال، والصحة، ‏والعافية، وعلى هذا إشكال، فإنا نرى ‏الكفار، والفساق أكثر مالا، وصحة ‏من الصلحاء، والجواب أن الحديث ‏مخصوص بالمسلم يريد الله به أن ‏يرفع درجته في الآخرة، فيعذبه ‏بسبب ذنبه الذي يصيبه في الدنيا. ‏قلت: وهذا أيضا من القضاء المعلق؛ ‏لأن الآجال، والآمال، والأخلاق، ‏والأرزاق كلها بتقديره، وتيسيره. ‏انتهى.‏
وقال الصنعاني في التنوير، شرح ‏الجامع الصغير: (إن الرجل ليحرم ‏الرزق بالذنب يصيبه) اعلم أن ‏الذنوب مانعة لكل خير، جالبة لكل ‏شر، فمن الخير الذي يمنعه الرزق ‏‏...المراد بالرزق هنا ما يكون به ‏سبب طيب الحياة، وطهارة القلب، ‏وسلامة الجوارح وانبعاثها في ‏الطاعات، وذلك ليس إلا الرزق ‏الحلال؛ فإن الحرام إنما يعمي القلب، ‏ويثبط الجوارح عن الطاعات، ‏ويطلق عنانها في المعاصي. إذا ‏عرفت هذا، عرفت اندفاع ما يقال: ‏كم من عاص قد وسع عليه في ‏الدنيا، ونال شهواته، ورب تقي في ‏أضيق عيش، ولأن المراد به الذي ‏يقنع به العبد عن الهلع، وتقر به ‏عينه وإن كان قليلاً في نفسه، فرب ‏مقل قرير العين بإقلاله، طيب ‏الخاطر. ورب مكثر، ملتهب ‏الأحشاء، يرى كثير ما عنده قليلًا، ‏ومن الرزق الذي تمنعه الذنوب رزق ‏العبد العلم؛ فإن العلم نور يقذفه الله ‏في القلب، والمعصية تطفئ ذلك ‏النور، كما أفاده قوله تعالى في ‏بعض بني إسرائيل عند عدّ ‏عقوباتهم: {وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا ‏بِهِ} [المائدة: 13]. وهذا في نسيان ‏ما علموه، وقال: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ ‏وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ ‏مَرَّةٍ} [الأنعام: 110]. فحرموا فقه ‏الوحي لكفرهم أولا...ومن الرزق ‏الذي تحرم العبد العاصي فعله ‏الطاعات، فلو لم يكن للذنب عقوبة ‏إلا أن يصد عن طاعة، يكون بذله ‏ويقطع طريق طاعة أخرى، ويقطع ‏عليه طريقا ثالثة ورابعة وهلم جرا ‏فيقطع عليه طاعات كثيرة، كل واحدة ‏خير له من الدنيا وما فيها، وما ‏مثاله إلا رجل أكل أكلة أوجبت له ‏مرضا طويلاً، منعه عن عدة أكلات ‏أطيب منها. انتهى.‏
وانظر باقي كلامه، فهو نفيس.‏
وانظر للفائدة الفتويين: 64270، 218536.

والله أعلم.