عنوان الفتوى : الخلفاء الراشدون أفضل الصحابة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهفضيلة الشيخماهي المواقف المشرفة والمنطقية التي جعلت الصحابة الكرام أبا بكر وعمر وعثمان أفضل الصحابة بعد رسول الله رغم إنه ليس لهم موقف قتالي معروف في معركة معينة ولم يكونو من حفظة القرآن والدليل أنهم طلبوا من حفظة القرآن تدوينه .. فما هو الدليل المنطقي على تفضيلهم ؟؟ أرجو أن لا تشيروا إلى الروايات التي كانت تقول بأفضليتهم لأن بعض المسلمين لا يثقون بهذه الروايات .. أريد كلاماً موضوعياً يدل على أفضليتهم .. والسلام؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمقدمتان اللتان بنيت عليها النتيجة باطلتان فاسدتان، فكانت النتيجة باطلة، فمن الذي قال لك إن أبا بكر وعمر وعثمان لم يكونوا من حفظة القرآن، يقول ابن حجر: والذي يظهر من كثير من الأحاديث أن أبا بكر كان يحفظ القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيح أنه بنى مسجداً بفناء داره فكان يقرأ فيه القرآن، وهو محمول على ما كان نزل منه إذ ذاك. قال: وهذا مما لا يرتاب فيه مع شدة حرص أبي بكر على تلقي القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم، وفراغ باله له وهما بمكة، وكثرة ملازمة كل منهما للآخر حتى قالت عائشة إنه صلى الله عليه وسلم كان يأتيهم بكرة وعشياً، وقد صح حديث: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله... وقد قدمه النبي صلى الله عليه وسلم إماماً للمهاجرين والأنصار فدل على أنه كان أقرأهم. انتهى
وذكر أبو عبيد في كتاب القراءات، القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعد من المهاجرين الخلفاء الأربعة، قال السيوطي: وسبقه إلى ذلك ابن كثير.
وأما حديث: خذوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ وأبي بن كعب.
فلا ينفي وجود غيرهم في ذلك الوقت ممن شاركهم في حفظ القرآن، ففي الصحيح أنه قتل في بئر معونة سبعون من الحفاظ يقال لهم القراء، هذا وليس في أمر أبي بكر لجماعة من حفاظ الصحابة بتدوين القرآن، دليل على أنه لا يحفظه لما تقدم، ولأنه كان مشغولاً بأمور الخلافة.
أما المقدمة الثانية فهي أفسد من الأولى وأبطل، فإن أهل العلم بالتواريخ والسير، يذكرون أن أبا بكر شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، بدراً والمشاهد كلها ولم يغب عن مشهد، وثبت مع الرسول يوم أحد حين انهزم الناس، ودفع إليه النبي رايته العظمى يوم تبوك. "الطبقات الكبرى".
قال ابن كثير: ولم يختلف أهل السير في أن أبا بكر لم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشهد من مشاهده كلها. انتهى "أسد الغابة"
وأما عمر بن الخطاب، فقد ذكر ابن الجوزي في مناقبه، أن العلماء اتفقوا على أنه شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها مع رسول الله ولم يغب عن غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا ثبت باليقين فساد المقدمتين الواردتين في السؤال، فإن النتيجة التي بنيت عليها أحق بالإبطال والفساد، وما ذكرته يدل على جهل بمقام أولئك الأعلام وأئمة الهدى وخير الناس بعد الأنبياء، ولساعة من أبي بكر خير من أعمارنا مجتمعة، وكيف لا يكون هؤلاء الأخيار أفضل الأمة، وقد اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وأخبر في كتابه أنه رضي الله عنهم فقال: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً [الفتح:18].
قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100].
ومن لم يثق في الروايات الصحيحة الثابتة في فضائل هؤلاء العظماء، فما الحيلة معه، وكيف يطلب روايات تدل على بطولاتهم ثم هو يناقض نفسه، ويعتمد على رواية تقول إنهم أمروا غيرهم بجمع القرآن؟!
ومن لم يثق بهذه الروايات، فكيف يثق بالقرآن العظيم، وما جمع إلا عن طريقهم، وما نقل إلينا إلا بواسطتهم، والأمر كما قال الله: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40].
ولمعرفة تراجمهم انظر في كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي، وتاريخ الخلفاء للسيوطي وغيرهما.
والله أعلم.