عنوان الفتوى : أضواءعلى تسمية الأنثى بـ: ملاك
أريد دليلا قاطعا على تحريم اسم ملاك، فالذي لاحظته أنه محرم بسبب لهجة دولة معينة، أسمعهم دائماً يسمون الملائكة: ملاك ـ وهي دولة مصر، فقام بعض المشائخ بتحريمه، مع أنهم من الجزيرة العربية التي هي منبع اللغة العربية الفصحى وليس من الدول التي لم تعرف اللغة العربية إلا بعد الفتح الإسلامي، والذين قاموا بتغيير معاني بعض الكلمات، ففي دولة المغرب مثلاً يسمون: العافية: نارا ـ فإذا دعوت له بالعافية فكأنك دعوت له بالنار، فهل يعقل مثلاً أن يأتي شيخ ويحرم هذا الدعاء بسبب لهجة معينة؟ وللأسف فإن بعض المشائخ يتأثر بلهجة هذه الدول فيقوم بتحريم الاسم ويأتي بدليلين ليس لهما علاقة، إن الله عز وجل والنبي عليه الصلاة والسلام لم يقولوا عن ملك الموت: ملاك الموت ـ ولم يذكر اسم ملاك أبداً لا في الأحاديث النبوية ولا في القرآن، ولا يوجد شيء له تسميتان إلا وقد ذكر مثل مكة: بكة ـ ومحمد: أحمد ـ وغيره، فمن قال بأن اسم ملاك يعني ملائكة! إنهم يستدلون بهذين الدليلين: قوله تعالى: إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى ـ سورة النجم، وهذه الآية واضحة جداً والمقصود أن لا تقولوا إن الملائكة بنات الله أو تعتقدون أن الملائكة إناث، ولكن هم في الحقيقة من يعتقدون أنها إناث ويطلقون اسم ملاك المؤنث العربي على الملائكة ـ والعياذ بالله ـ فحسبي الله ونعم الوكيل، ثم يقوم بعض الجهلة بتحريم تسمية الإناث به بدلاً من تحريم إطلاق الاسم المؤنث: ملاك ـ على الملائكة، وأما الحديث الآخر الذي يستدلون به: فهو قوله صلى الله عليه وسلم: إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك... الحديث واضح والمقصود أن لا أحد يسمي نفسه بملك الأملاك أو مالك الملك، لأن الله سبحانه وتعالى هو مالك الملك يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء كما ذُكر في هذه الآية الكريمة: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ـ آل عمران: 26، أعتقد أنه لابأس بأن يسمي نفسه ملكا بدون أملاك أو مُلك، لأن الله سبحانه وتعالى قال: واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ـ البقرة: 15، فسليمان كان ملكا وداود كان ملكا والرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سيكون من بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة.... وغيرها من الأدلة الكثيرة، فلماذا يتم تحريم هذا الاسم؟ أقنعوني..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تسمية الأنثى بملاك مما اختلف فيه بعض أهل العلم، ولكل وجهته في التعليل، ومثل هذه المسائل لا يوجد فيها دليل قطعي يجب المصير إليه، وإنما قد علل بعض أهل العلم ممن ذهب إلى المنع بمشابهة المشركين في جعلهم الملائكة بنات الله، قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ـ رحمه الله ـ في معجم المناهي اللفظية: أما تسمية النساء بأسماء الملائكة: فظاهر الحرمة، لأن فيها مضاهاة للمشركين في جعلهم الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم، وقريب من هذا تسمية البنت: ملاك، ملَكة، وملَك. انتهى.
وهذا الاسم: ملاك ـ يستعمله كثير من أدباء النصارى العرب، ويقصدون به الملائكة، مع أن أصل الاسم: مَلْأَك ـ فلعلهم لكثرة استعمالهم له سهلوا الهمزة تخفيفا، وإن كنا لم نجد أحدا في كتب معاجم اللغة ـ التي بين أيدينا ـ من ذكر: ملاك ـ بدون همز بمعنى الملائكة، جاء في لسان العرب: والمَلَكُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: وَاحِدٌ وَجَمْعٌ، قَالَ الْكِسَائِيُّ: أَصله مَأْلَكٌ بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ مِنَ الأَلُوكِ، وَهِيَ الرِّسَالَةُ، ثُمَّ قُلِبَتْ وَقُدِّمَتِ اللَّامُ فَقِيلَ مَلأَكٌ. انتهى.
ولاسم: ملاك ـ معنى آخر وهو قوام الشيء، قال في لسان العرب: الْمِلَاكُ، بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ: قِوامُ الشَّيْءِ ونِظامُه وَمَا يُعْتَمَد عَلَيْهِ فِيهِ. انتهى.
ولعل من أجاز من العلماء التسمية بملاك لاحظ هذا المعنى، ولأن الأصل في الأسماء الجواز، قال الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ في تعليقه على زاد المعاد: التسمية بأفنان وملاك وجبريل لا شيء فيها. انتهى.
فهذا ملخص ما في المسألة، والأولى ترك التسمية به، وراجعي للفائدة الفتويين رقم: 114566، ورقم: 58078.
وأخيرا ننصح السائلة أن تترفق في كلامها عن فتاوى أهل العلم، وأن لا تستعجل في الحكم قبل أن تعرف حقيقة مأخذهم، فليس من الصواب القول بأن سبب منعهم من التسمية لهجة معينة، أو أن سبب منعهم قوله صلى الله عليه وسلم: إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك...
وكذلك قولها: ولا يوجد شيء له تسميتان إلا وقد ذكر ـ أي في القرآن ـ فهذا فيه مجازفة ظاهرة، وقول في كتاب الله بغير علم.
والله أعلم.