عنوان الفتوى : تعتبر نية الزوج في الطلاق ولا يلتفت لنية الزوجة

مدة قراءة السؤال : 5 دقائق

كنت أقرأ في شرح صحيح البخاري على شبكة الإنترنت، وقرأت الآتي: 4963- قوله إسماعيل هو بن أبي خالد، قوله سألت عائشة عن الخيرة بكسر المعجمة وفتح التحتانية بمعنى الخيار، قوله أفكان طلاقا هو استفهام إنكار، ولأحمد عن وكيع عن إسماعيل فهل كان طلاقا، وكذا للنسائي من رواية يحيى القطان عن إسماعيل، قوله قال مسروق لا أبالي أخيرتها واحدة أو مائة بعد أن تختارني هو موصول بالإسناد المذكور، وقد أخرجه مسلم من رواية علي بن مسهر عن إسماعيل، فقدم كلام مسروق المذكور، ولفظه عن مسروق قال ما أبالي فذكر مثله، وزاد أو ألفا، ولقد سألت عائشة فذكر حديثها، وبقول عائشة المذكور يقول جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، وهو أن من خير زوجته فاختارته لا يقع عليه بذلك طلاق، لكن اختلفوا فيما إذا اختارت نفسها هل يقع طلقة واحدة رجعية أو بائنا أو يقع ثلاثا، وحكى الترمذي عن علي إن اختارت نفسها فواحدة بائنة، وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية، وعن زيد بن ثابت إن اختارت نفسها فثلاث، وإن اختارت زوجها فواحدة بائنة، وعن عمر وابن مسعود أن اختارت نفسها فواحدة بائنة، وعنهما رجعية، وإن اختارت زوجها فلا شيء، ويؤيد قول الجمهور من حيث المعنى أن التخيير ترديد بين شيئين، فلو كان اختيارها لزوجها طلاقا لاتحدا فدل على أن اختيارها لنفسها بمعنى الفراق واختيارها لزوجها بمعنى البقاء في العصمة، وقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق زاذان قال: كنا جلوسا عند علي فسئل عن الخيار فقال سألني عنه عمر فقلت: إن اختارت نفسها فواحدة بائن، وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية، قال ليس كما قلت: إن اختارت زوجها فلا شيء، قال فلم أجد بدا من متابعته، فلما وليت رجعت إلى ما كنت أعرف، قال علي: وأرسل عمر إلى زيد بن ثابت فقال فذكر مثل ما حكاه عنه الترمذي، وأخرج بن أبي شيبة من طرق عن علي نظير ما حكاه عنه زاذان من اختياره، وأخذ مالك يقول زيد بن ثابت واحتج بعض اتباعه لكونها إذا اختارت نفسها يقع ثلاثا بأن معنى الخيار بت أحد الامرين أما الأخذ وأما الترك فلو قلنا إذا اختارت نفسها تكون طلقة رجعية لم يعمل بمقتضى اللفظ لأنها تكون بعد في أسر الزوج وتكون كمن خير بين شيئين فاختار غيرهما وأخذ أبو حنيفة بقول عمر وابن مسعود فما إذا اختارت نفسها فواحدة بائنة ولا يرد عليه الإيراد السابق وقال الشافعي التخيير كناية فإذا خير الزوج امرأته وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه وبين أن تستمر في عصمته فاختارت نفسها وارادت بذلك الطلاق طلقت فلو قالت لم أرد باختيار نفسي الطلاق صدقت، ويؤخذ من هذا أنه لو وقع التصريح في التخيير بالتطليق أن الطلاق يقع جزما نبه على ذلك شيخنا حافظ الوقت أبو الفضل العراقي في شرح الترمذي، ونبه صاحب الهداية من الحنفية على اشتراط ذكر النفس في التخيير فلو قال مثلا اختاري فقالت اخترت لم يكن تخييرا بين الطلاق وعدمه وهو ظاهر، لكن محله الإطلاق، فلو قصد ذلك بهذا اللفظ ساغ، وقال صاحب الهداية أيضا: إن قال اختاري ينوي به الطلاق فلها أن تطلق نفسها ويقع بائنا، فلو لم ينوي فهو باطل، وكذا لو قال اختاري فقالت اخترت، فلو نوى فقالت اخترت نفسي وقعت طلقة رجعية، وقال الخطابي: يؤخذ من قول عائشة فاخترناه فلم يكن ذلك طلاقا أنها لو اختارت نفسها لكان ذلك طلاقا، ووافقه القرطبي في المفهم فقال: في الحديث أن المخيرة إذا اختارت نفسها أن نفس ذلك الإختيار الاختيار يكون طلاقا من غير احتياج إلى نطقي بلفظ يدل على الطلاق، قال وهو مقتب من مفهوم قول عائشة المذكور، قلت: لكن ظاهر الآية أن ذلك بمجرده لا يكون طلاقا بل لا بد من إنشاء الزوج الطلاق، لأن فيها فتعالين أمتعكن وأسرحكن، أي بعد الاختيار، ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم. أريد أن أفهم ما هو المقصود بقوله: (ويؤخذ من هذا أنه لو وقع التصريح في التخيير بالتطليق أن الطلاق يقع جزما)، حيث ورد ذكر ذلك في الكلام الموجود بالأعلى، ما معنى ذلك؟

مدة قراءة الإجابة : دقيقتان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالمقصود بالعبارة المذكورة: أنّ الزوج إذا خيّر امرأته ونوى بالتخيير الطلاق، فأجابته المرأة بلفظ فيه صريح الطلاق، كقولها: "طلقت نفسي"، وقع طلاقها بذلك، ولا يلتفت إلى نيتها؛ لأنّ اللفظ الصريح لا يفتقر إلى النية بخلاف الكناية، قال الماوردي الشافعي رحمه الله: "وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَذْلُهُ كِنَايَةً وَقَبُولُهَا صَرِيحًا فَصُورَتُهُ: أَنْ يَقُولَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَكِ أَوْ أَمْرُكِ بِيَدِكِ، فَتَقُولُ قَدْ طَلَّقْتُ نَفْسِي، فَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ الزوج ولا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الزَّوْجَةِ، لِأَنَّ كِنَايَةَ الزَّوْجِ تَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ، وَصَرِيحَ الزَّوْجَةِ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى النية" (الحاوي الكبير 10/ 175)، وقال الحطاب المالكي رحمه الله: "(وَعَمِلَ بِجَوَابِهَا الصَّرِيحِ): يَعْنِي أَنَّ الْمُمَلَّكَةَ، وَالْمُخَيَّرَةَ إذَا أَجَابَتْ بِجَوَابٍ صَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ" (مواهب الجليل في شرح مختصر خليل 4/ 92)، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 174873 .

والله أعلم.