عنوان الفتوى : حكم من قال عن أوراق تحوي اسم الله (ارم هذه الأزبال)
حدث مع أمي نقاش، وهو أنني كنت أجمع أوراق الجرائد من خارج المنزل، وأضعها في بيتي خشية أن تحتوي على اسم من أسماء الله، أو آية قرآنية، أو اسم نبي من أنبياء الله، ولقد وجدت فيها كثيرا من ذلك, وقالت لي أمي: لم لا ترمي هذه الأزبال؟ قلت لها: ليست أزبالا إنها فيها أوراق مكتوب عليها اسم الله وآيات قرآنية, وقالت إنها أزبال، وقلت لها: اتقي الله يا أماه، فقالت: سامحني الله. وعندما سألت بعد زمن ماذا كانت تقصد بذلك -أي الأزبال- قالت ما قصدت شيئا, إذن فما حكم أمي ؟وماذا عليها أن تفعل؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوالدة أخطأت في كلامها فعلا، وعليها أن تستغفر الله تعالى مما قالت؛ فإنه لا يليق الوصف المذكور بعد قولك لها إن الأوراق تحوي اسم الله وبعض القرآن، ولكنه لا يحكم بردتها لما يحتمل أنها أرادت وصف الأرواق التي لم تعد مستعملة، ولم تقصد التنقص لاسم الله ولا للآيات القرآنية، وإذا كان الأمر محتملا فلا يحكم عليها بالردة؛ لأن الردة هي شرح الصدر للكفر، كما قال الله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. { النحل:106}.
ومن دخل في الإيمان بيقين لا يخرج منه إلا بيقين، وقد ذكر أهل العلم أيضا أن من فعل ما يحتمل الردة وغيرها لا يكفر بذلك، فقد قال علي القاري في شرح الشفا: قال علماؤنا: إذا وجد تسعة وتسعون وجها تشير إلى تكفير مسلم ووجه واحد إلى إبقائه على إسلامه فينبغي للمفتي والقاضي أن يعملا بذلك الوجه، وهو مستفاد من قوله عليه السلام: ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة ـ رواه الترمذي والحاكم. اهـ.
وأما أنت فنشكرك على الحرص على صيانة أسماء الله تعالى وتعظيمها، فتعظيم اسم الله من تعظيم شعائره، الدال على تقوى القلوب؛ قال سبحانه: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج:32}.
قال السعدي في تفسيره: فتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه؛ لأن تعظيمها، تابع لتعظيم الله وإجلاله. اهـ
ومن تعظيم اسم الله وما فيه شيء من القرآن صيانته عن رميه في الشارع، أو استعماله على جهة الامتهان، وإنما ينبغي إتلافه بالحرق أو الفرم أو غير ذلك، فمراعاة هذا فيما لا يشق أمر طيب، ولكن ينبغي أن يتم ذلك في حدود مراعاة القواعد الفقهية والمقاصد الشرعية، والتي منها رفع الحرج والمشقة عن العباد، كما قال تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة: 6}. وقال سبحانه: هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج:78}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره. رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.
وفي القاعدة الفقهية: المشقة تجلب التيسير، وإذا ضاق الأمر اتسع.
ومن المشقة التي ذكر أهل العلم أنها لا تطلب من الإنسان تتبع كل ورقة مرمية نظراً لكثرة الأوراق المرمية في المحلات والشوارع. وراجع الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها: 112698، 122036، 110244، 27000 .
والله أعلم.