عنوان الفتوى : حكم الدعوة إلى مؤسسة خيرية بها اختلاط بين العاملين فيها
أعمل في إحدى المؤسسات الخيرية، وهي مؤسة طيبة للغاية، وتنجح في توصيل التبرعات لمستحقيها، وفيها عيب خطير وهو أنها مختلطة يتطوع فيها شباب وشابات كُثر, ويحدث بينهم اختلاط ومزاح. فهل يحل لي أن أدعو الناس للالتحاق بتلك الجمعية لإصابة أعمال الخير؟ وإن دعوت شابا والتحق بها ثم بعد ذلك ارتكب المعاصي من اختلاط يكون علي كفل من الإثم؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله التوفيق والعون لأهل هذه الجمعية، وننبه إلى أن العمل الخيري كغيره من الأعمال يتعين أن يكون الرجال فيه على حدة والنساء على حدة، وأن يتجنب الاختلاط قدر الإمكان، ويجوز عند الحاجة تلاقي النساء والرجال ويجب والحالة هذه التزام النساء بالحجاب وعدم الخضوع بالقول والتخاطب لغير حاجة، وأما إن كان يحصل المزاح أو ترخيم الصوت عند الكلام، فإنه محرم، لما فيه من خشية الفتنة بالنساء، فقد قال النبي صلوات الله وسلامه عليه: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: اتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. رواه مسلم.
وجاء في الموسوعة الفقهية: يختلف حكم اختلاط الرجال بالنساء بحسب موافقته لقواعد الشريعة أو عدم موافقته، فيحرم الاختلاط إذا كان فيه: الخلوة بالأجنبية، والنظر بشهوة إليها، وتبذل المرأة وعدم احتشامها، أو عبث ولهو وملامسة للأبدان كالاختلاط في الأفراح والموالد والأعياد... يقول ابن فرحون: في الأعراس التي يمتزج فيها الرجال والنساء، لا تقبل شهادة بعضهم لبعض إذا كان فيه ما حرمه الشارع، لأن بحضورهن هذه المواضع تسقط عدالتهن ويجوز الاختلاط إذا كانت هناك حاجة مشروعة مع مراعاة قواعد الشريعة، ولذلك جاز خروج المرأة لصلاة الجماعة وصلاة العيد. اهـ بتصرف.
وقال ابن القيم في الطرق الحكمية: ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفرج ومجامع الرجال، قال مالك: أرى للإمام أن يتقدم إلى الصياغ في قعود النساء إليهم... فالإمام مسؤول عن ذلك، والفتنة به عظيمة قال صلى الله عليه وسلم: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ـ وفي حديث آخر: باعدوا بين الرجال والنساء... ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة.. فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا، بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية ـ قبل الدين ـ لكانوا أشد شيء منعا لذلك. اهـ.
وأما دلالتك للشباب: فينبغي أن لا تدل عليها إلا من تثق بدينه وأن تحذره من النساء وفتنتهن، وإن تأكدت أن العمل لا ينفك في الغالب عن مخالطة النساء بالشكل المحرم فلا تدل الشباب عليها، فإن دللتهم فإنه يخشي عليك من الإثم إن وقعوا في الحرام، وينبغي أن تدعو أهل الجمعية لإصلاح حالهم، فإن لم يستجيبوا ويفردوا النساء على حدة فالواجب البعد عن دلالة الشباب عليها، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولأن إيصال النفع للفقراء ليس متعينا في هذه الجمعية.
والله أعلم.