عنوان الفتوى : لا يلزم التفتيش عن صحة ملك الإنسان ما بيده من ممتلكات

مدة قراءة السؤال : 4 دقائق

عندنا هنا في دولتنا، عند عملية التوثيق النهائي لأي أرض لا بد من المرور بمجموعة من المراحل منها: التحديد المؤقت، وإشهار التملك بين الجيران، وإحضار 8 شهادات من 8 إدارات عمومية، على أن الأرض موضوع التوثيق النهائي لا تدخل في الأملاك العمومية التابعة للدولة وقطاعاتها. وفي ظل هذه المراحل تبقى مدة سنة كاملة لصاحب كل حق أن يعترض، ويتدخل لطلب حقه في الأرض، ويُعلق إعلان بذلك في ثلاث إدارات قريبة من النفوذ الترابي للأرض موضوع التوثيق، مع تحرير عقد آخر عند عدلين محلفين، مختصين يشهد فيه اثنا عشر شخصا أن طالب التوثيق النهائي يتصرف، ويحوز تلك الأرض لما يزيد عن 10 سنوات بصفة هادئة ومستمرة، وهذا العقد يلغي العقد الأول رغم أنه كان بناء عليه، بحيث يصبح العقد العدلي المضمن للشهادات المذكورة، والمسلمة من الإدارات العمومية، والشهود هو الأقوى والأصح. ولقد قمت بكل هذه العمليات لأرض اشتراها أبي سابقا بعقد شككت في صحته، حيث اتفق أبي على عملية البيع، والثمن مع أحد المالكين وهم ثلاثة رجل وامرأتان، وطالب من المتفق معه وهو الرجل إحضار المرأتين، وهما أختاه عند كاتب لتحرير العقد، وإمضائه منهم جميعا، وتم ذلك فعلا، وأُبرم العقد، ومر عليه قبل عملية التوثيق النهائي الذي قمت به 20 سنة. لكنني شككت من خلال سؤالي لأبي عن كيفية إبرام العقد أن يكون قد غش، أو دلس على البائعتين، أو أن تكون المرأتان قد حضرتا الكتابة، ووقعتا على العقد حياء من أخيهما، أو لعدم فهمهما لما يجري؛ لقلة خبرتهما بعملية التعاقد. أما بخصوص الرجل فهو يفهم الأمر جيدا، واتفق معه من قبل. فهل باتباع هذا الطريق القانوني المعمول به في دولتنا، والقيام بكل الإجراءات التي أسلفت يصبح هذا التملك شرعيا، خاصة أن القانون أعطى لكل ذي حق التدخل، والاعتراض في أي وقت للمطالبة بحقه؟ مع الإشارة إلى أنني عدت إلى الرجل البائع، وسألته عن فحوى العقد فقال لي: إنني وهبت الأرض لجدك شفويا، من قبل، ولن أتراجع عن ذلك، بالإضافة إلى اعتباره من جيران الأرض، ولو كان عنده اعتراض لتدخل عند التحديد أو في أي وقت، أما إحدى المرأتين فقد توفيت، والأخرى ذهبت إلى لمنزلها وذكرتها بالعقد، والأرض، وتذكرته. وقلت لها إنني أنا من قام بعملية التوثيق النهائي، وخفت أن أكون بذلك قد أخذت حقك من تلك الأرض، خاصة أنني لم أحضر معكم عملية التوثيق الأولى سنة 1991، فقالت لي: سامحتك، فكررت طلبي في الحال ثلاثا، فقالت لي: سامحتك، وسأسامح أباك إن هو حضر عندي، فأخذت أبي لها يوما ووجدت عندها نساء، وبمجرد ما أردت أن أفاتحها في الأمر قالت لي: لقد تكلمت معك في المرة الماضية، فعانقتني، وأبي، وانصرفنا. فهل برئت ذمة أبي وذمتي؟ وهل بقيامي بعملية التوثيق النهائي للأرض أعتبر مشاركا في الإثم إن تحقق، مع أنني لم أحضر عملية التوثيق الأولى التي كانت قبل 20 سنة بين أبي وبقية الأطراف؟ جزاكم الله خيرا.

مدة قراءة الإجابة : دقيقتان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فلا حرج عليك في الانتفاع بالأرض، وما كان عليك فعل ما ذكرته من التفتيش، والتنقيب عن أصل العقد. وهل أصحابه راضون أم ليسوا براضين؟ 

فالأصل أن ما في يد الإنسان ملكه، ولا ينتقل عن هذا الظاهر إلا بيقين، أو قرينة قوية لا مجرد الشك. كما أنه لا يلزم التنقيب عن مصدر الملك، وهل هو حلال أم حرام؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والأصل فيما بيد المسلم أن يكون ملكاً له إن ادعى أنه ملكه، فإذا لم أعلم حال ذلك المال الذي بيده، بنيت الأمر على الأصل، ثم إن كان ذلك الدرهم في نفس الأمر قد غصبه هو ولم أعلم أنا، كنت جاهلاً بذلك، والمجهول كالمعدوم، لكن إن كان ذلك الرجل معروفا بأن في ماله حراماً ترك معاملته ورعا، وإن كان أكثر ماله حراما، ففيه نزاع بين العلماء. وأما المسلم المستور فلا شبهة في معاملته أصلاً، ومن ترك معاملته ورعاً كان قد ابتدع في الدين بدعة ما أنزل الله بها من سلطان. اهـ بتصرف يسير من مجموع الفتاوى.

وقد سعيت إلى ما تطمئن به نفسك، ويدفع تلك الريبة عنها إن لم يكن سببها وسوسة، فاحذر من الوسوسة، واصرف النظر عما يعرض عليك منها.

والله أعلم.