عنوان الفتوى : لم أرد باقي المال لابنة خالتي قبل البلوغ فدفعته لأمي فرفضت أخذه وسامحتني
حدث لي موقف منذ زمن - في الغالب قبل البلوغ - وهو أن ابنة خالتي أعطتني مالًا لأشتري لها ولإخوتها طعامًا من مطعم، ففعلت ذلك، واشتريت لهم، ولكن الغالب على ظني أني نسيت إرجاع بقية المال إليها، وسافرت خالتي وأولادها، وعندما تذكرت هذا الأمر أعطيت المال لأمي، وأخبرتها أن تعطيه لخالتي، وأن تخبرها أن هذا بقية مال لأولادها، فرفضت أخذ هذا المبلغ -المبلغ كان زهيدًا - وتنازلت عن أخذه فهل ما فعلته مجزئ؟ أم عليّ أن أوصل المال إلى ابنة خالتي؟ مع العلم أنه في ذلك الوقت كانت خالتي هي التي تعطي المال لأبنائها، أي أنهم لم يكونوا يعملون في ذلك الوقت، والواضح أن هذا المال كان من مصروف ابنة خالتي، وفي الغالب أنني لو حاولت إيصال هذا المال إلى ابنة خالتي فإنها ستتنازل عن المال، ولن ترضى أن تأخذه، فالمبلغ زهيد كما ذكرت - جزاكم الله خيرًا -.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على تثبتك من أمر دينك، وسعيك في إبراء ذمتك، ونسأل الله سبحانه أن يهيئ لك من أمرك رشدًا.
وأما ما سألت عنه فجوابه أن حصول الخطأ منك - ولو كان قبل البلوغ - لا يسقط الضمان، بل يسقط الإثم فقط، ويبقى ضمان الحق لمستحقه حتى يؤدى إليه ما لم يبرئ منه، إلا إذا كان يسيرا تافهًا ليس ذا بال، وعلمت أن نفسها طيبة لك به لقوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ {النور:61} وذكر القرطبي ما معناه أن هذه الآية محكمة في أصح قولي أهل العلم، وأن للرجل أن يأكل من مال قريبه، أو وكيله، أو صديقه ما يعلم أن نفسه طيبة له به.
وقد قال ابن قدامة: الإذن العرفي يقوم مقام الإذن الحقيقي. انتهى
والأولى أن تتحلل من ابنة خالتك لتبرئك من حقها، أو ترده إليها دفعًا للشك باليقين، وفرارًا مما يريب إلى ما لا يريب.
وأما تحلل أمك من خالتك فلا اعتبار له؛ لأن الحق ليس لها كما ذكرت بل هو لابنتها .
والله أعلم.