عنوان الفتوى : فضل الدعاء ، وفضل الإكثار منه ، والإلحاح على الله فيه .
في البداية ، ذُكر في الحديث : أن الله يغضب على من لا يدعوه ، فكيف يكون ذلك الغضب؟ وهل عدم فعل ذلك مكروه ، ولا يعاقب الشخص عليه؟ وإذا غضب الله على شخصٍ ما، فهل يعتبر ذلك إثمًا؟ وهل يستوجب دخول النار؟ وعندما يقول الناس : إن علينا أن نكثر من الدعاء ، فماذا يعنون بذلك ؟ هل ندعو بدعاءٍ واحدٍ ونلح فيه دائمًا، أم ندعو بأدعية مختلفة ومتنوعة ؟ لقد قرأت المقال الموجود على الموقع بخصوص آداب الدعاء ولكنه لا يكفي ، فما زالت هناك شكوك تقلقني ، ولا تريح بالي. وخاصة أن أحداً أخبرني إنه لا ينبغي لي أن أسأل الله شيئًا إلا الجنة .
الحمد لله
أولا :
روى الترمذي (3373) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّهُ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ)
.
قال الترمذي : " هَذَا الحَدِيثَ وَلاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ " اهـ
.
وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد رواه الحاكم في مستدركه (1806) ، ثم قال عقب روايته له (1/668) :
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، فَإِنَّ أَبَا صَالِحٍ الْخُوزِيَّ وَأَبَا
الْمَلِيحِ الْفَارِسِيَّ لَمْ يُذْكَرَا بِالْجَرْحِ إِنَّمَا هُمَا فِي عِدَادِ
الْمَجْهُولِينَ لِقِلَّةِ الْحَدِيثِ اهـ .
وينظر : "الكامل" لابن عدي (7/294) ، "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (9/393) ، "ميزان الاعتدال" (4/538) .
وقد أعل الحديث بجهالة أبي
صالح هذا ، فإنه لم يرو عنه سوى أبي المليح ، وليس له سوى هذا الحديث ، ومثل هذا لا
يحتمل تفرده .
قال ابن طاهر : " رواه أبو المليح ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة . وأبو المليح هذا
لم يسمه ابن عدي ، وهو ضعيف " . اهـ "ذخيرة الحفاظ" لابن طاهر (4/2403) .
وينظر : ، "الفتاوى الحديثية" للحويني (1/193) ـ الشاملة ، "مسند أحمد " ، ط
الرسالة (15/438) ، حاشية المحققين .
ثانيا :
هذا الحديث ـ على فرض صحته ـ يدل على أن دعاء الله وسؤاله واجب في الجملة ، بحيث إن
من ترك دعاء الله بالكلية ، فإن الله يغضب عليه ، لأنه ترك هذه العبادة العظيمة
التي هي الدعاء ، ولأن ذلك يشعر بتكبره ودعواه أنه مستغن عن الله غير محتاج إليه .
قال ابن القيم رحمه الله :
" هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رِضَاءَهُ فِي سُؤَالِهِ وَطَاعَتِهِ، وَإِذَا رَضِيَ
الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَكُلُّ خَيْرٍ فِي رِضَاهُ، كَمَا أَنَّ كُلَّ
بَلَاءٍ وَمُصِيبَةٍ فِي غَضَبِهِ " انتهى من الجواب الكافي (ص 18)
وقال أيضا :
" وَالْغَضَب لَا يكون إِلَّا على ترك وَاجِب أَو فعل محرم " انتهى من جلاء الأفهام
(ص 352)
وقال القاري رحمه الله في شرحه لهذا الحديث :
" لِأَنَّ تَرْكَ السُّؤَالِ تَكَبُّرٌ وَاسْتِغْنَاءٌ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ
لِلْعَبْدِ . قَالَ الطِّيبِيُّ: وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ
مِنْ فَضْلِهِ، فَمَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَبْغَضُهُ، وَالْمَبْغُوضُ مَغْضُوبٌ
عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ " انتهى من مرقاة المفاتيح (4/ 1530)
ثالثا :
من غضب الله عليه عذبه الله ، إلا أن يعفو الله عنه لسبب من الأسباب كالتوبة
والاستغفار .. وغير ذلك .
قال ابن القيم رحمه الله :
" وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ بِذِكْرِ سُخْطِهِ وَغَضَبِهِ عَلَى أَعْدَائِهِ، وَذَلِكَ
صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِهِ، يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْعَذَابُ وَاللَّعْنَةُ، لَا أَنَّ
السُّخْطَ هُوَ نَفْسُ الْعَذَابِ وَاللَّعْنَةِ ؛ بَلْ هُمَا أَثَرُ السُّخْطِ
وَالْغَضَبِ وَمُوجَبُهُمَا، وَلِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ تَعَالَى
: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا
وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء/
93. فَفَرَّقَ بَيْنَ عَذَابِهِ وَغَضَبِهِ وَلَعْنَتِهِ، وَجَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ
غَيْرَ الْآخَرِ " انتهى .
رابعا :
روى أحمد (10749) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو
بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ
بِهَا إِحْدَى ثَلاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ
يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ
مِثْلَهَا ، قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ . قَالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ) وصححه الألباني
في "صحيح الترغيب والترهيب" .
قال القاري :
" (إذًا نُكْثِرُ) أَيْ: مِنَ الدُّعَاءِ الْعَظِيمِ فَوَائِدُهُ " انتهى من مرقاة
المفاتيح (4/ 1538)
وقال ابن علان رحمه الله :
" (إذاً نكثر) أي: إذا كانت الدعوة بما عدا ما ذكر مجابة ، نكثر من سؤال خيري
الدارين لتحصيلهما بالوعد الذي لا يخلف " انتهى من دليل الفالحين (7/ 304)
وعن عائشة رضي الله عنها قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُم فَلْيُكثِر ،
فَإِنَّمَا يَسأَلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ) رواه ابن حبان (2403) والطبراني في "الأوسط"
(2/301) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/150) : رجاله رجال الصحيح . وصححه
الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1325)
والله يحب الملحين في الدعاء . قال ابن القيم :
" إنّ اللهَ لَا يَتَبَرَّمُ بِإِلْحَاحِ الْمُلِحِّينَ، بَلْ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ
فِي الدُّعَاءِ، وَيُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَيَغْضَبُ إِذَا لَمْ يُسْأَلْ " انتهى
من الجواب الكافي (ص 230)
وقال أيضا :
" وأحب خلقه إليه أكثرهم وأفضلهم له سؤالا، وهو يحب الملحين في الدعاء، وكلما ألح
العبد عليه في السؤال أحبه وقربه وأعطاه " انتهى من حادي الأرواح (ص 91)
فالمراد بالإكثار من الدعاء
الأمران : الإلحاح فيه ، وتنوع الدعاء ، فيسأل المسلم ربه كل شيء من خيري الدنيا
والآخرة ، ويلح على الله في هذا السؤال ويكرره ، لأن ذلك من تمام عبادته وكمال
التوكل عليه وحسن الظن به والرجاء فيه .
خامساً :
قد أخطأ من أخبرك: إنه لا ينبغي لأحد أن يسأل الله شيئًا إلا الجنة.
بل يسأل العبد ربه كل شيء من أمور الدنيا والآخرة صغيرها وكبيرها ، فإن أي شيء إن
لم ييسره الله لم يتيسر .
ومن أجمع الأدعية التي وردت في القرآن الكريم قوله تعالى : ( رَبَّنَا آتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) [سورة
البقرة/201] ، فهذا الدعاء لم يترك شيئا من خيري الدنيا والآخره إلا تضمنه .
وروى مسلم (2679) عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِذَا
دَعَا أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلْ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ، وَلَكِنْ
لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ ، وَلْيُعَظِّمْ الرَّغْبَةَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا
يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ) .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" :
"وَمَعْنَى قَوْله : (لِيُعَظِّم الرَّغْبَة) أَيْ يُبَالِغ فِي ذَلِكَ بِتَكْرَارِ
الدُّعَاء وَالْإِلْحَاح فِيهِ , وَيَحْتَمِل أَنْ يُرَاد بِهِ الْأَمْر بِطَلَبِ
الشَّيْء الْعَظِيم الْكَثِير , وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي آخِر هَذِهِ الرِّوَايَة : (فَإِنَّ
اللَّه لَا يَتَعَاظَمهُ شَيْء)" انتهى .
وقال أبو سعيدٍ الخدريُّ : إِذَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ، فَارْفَعُوا فِي الْمَسْأَلَةِ،
فَإِنَّ مَا عِنْدَهُ لَا يَنْفَدُهُ شَيْءٌ.
"جامع العلوم والحكم" (2/48) .
وروى ابن السني في عمل اليوم والليلة (355) بسند صحيح عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (سَلُوا اللَّهَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الشِّسْعَ، فَإِنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ لَمْ يُيَسِّرْهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ) ، ومعنى : ( حتى
الشسع ) أي : حتى إصلاح النعل إذا انقطع .
وفي الحديث القدسي قول الله
تبارك وتعالى :
( يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ ، فَاسْتَهْدُونِي
أَهْدِكُمْ ، يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ ،
فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ، يَا عِبَادِي ! كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ
كَسَوْتُهُ ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ... يَا عِبَادِي ! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ
وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي
فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي
إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ )
رواه مسلم (2577)
ويقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/225) :
" وفي الحديث دليل على أن الله يحب أن يسأله العباد جميع مصالح دينهم ودنياهم من
الطعام والشراب والكسوة وغير ذلك ، كما يسألونه الهداية والمغفرة ، وفي الأثر : (
ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع ) ، وكان بعض السلف يسأل الله
في صلاته كل حوائجه، حتى ملح عجينه وعلف شاته ، وفي الإسرائيليات : أن موسى عليه
الصلاة والسلام قال : يا رب؛ إنه ليعرض لي الحاجة من الدنيا ، فأستحي أن أسألك .
قال : سلني حتى ملح عجينك وعلف حمارك .
فإنَّ كلَّ ما يحتاج العبد إليه إذا سأله من الله ، فقد أظهر حاجته فيه ، وافتقاره
إلى الله ، وذاك يحبه الله " انتهى .
وانظر السؤال رقم : (153316).
وينبغي للداعي أن يحرص على
أسباب إجابة الدعاء ، ويجتنب موانعها .
وينظر في ذلك جواب السؤال رقم (13506) .
وانظر السؤال رقم : (13506)
لمعرفة موجبات قبول الدعاء .
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري |
---|
فضل الدعاء |
فضل الدعاء |
فضل الدعاء |
فضل الدعاء |
فضل الدعاء |
فضل الدعاء |