عنوان الفتوى : حكم الرقى بألفاظ غير مفهومة بزعم أخذها عن آل البيت
عندي صديق يتكلم في صلاته لغة لا أعرفها، وليس في صلاته فقط، بل في دعائه أحيانا، وعندما سألته ما هذه اللغة التي تدعو بها؟ قال هذه اللغة التي أكرمني بها أهل البيت، وفاجأني بصراحة وقال لي بهذه اللغة أمتلك قابلية شفاء المحسود، وأستطيع انتزاع الجن، والكثير من الأمور حول هذه اللغة التي يسميها بالكرامة، فما تعليقكم على قوله؟ وهل يوجد شيء يسمى بكرامة أهل البيت؟. أفيدوني يرحمكم الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لا نعلم شيئا يعطيه أو يملكه آل البيت يسمي بالكرامة، ولا يعرف عند السلف من صحابة آل البيت وتابعيهم أن لديهم شيئا خاصا بهم يكرمون به الناس، فقد صح عن أفضل آل البيت ـ وهو علي رضي الله عنه ـ أنه قيل له: هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ فقال: ما خصنا بشيء لم يعم به الناس كافة، إلا ما كان في قراب سيفي هذا، فأخرج صحيفة مكتوب فيها: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثا. رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني والأرناؤوط.
وفي رواية لمسلم: أنه قال له رجل: ما كان النبي يسر إليك؟ فغضب وقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إلي شيئا يكتمه الناس غير أنه حدثني بكلمات أربع، فقال: ما هي يا أمير المؤمنين؟ فقال: لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثا، ولعن الله من غير منار الأرض.
وهذا صريح من علي أنه لم يخصه ولا أهله بشيء.
وأما الرقية والعلاج من الجن والحسد بما لا يفهم: فهي محرمة ويجب الاستغناء عنها بالقرآن والادعية المأثورة، فقد قال ابن حجر في الفتح: وقال ابن التين: الرقي بالمعوذات وغيرها من أسماء الله هو الطب الروحاني، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء ـ بإذن الله تعالى ـ فلما عز هذا النوع فزع الناس إلى الطب الجسماني وتلك الرقى المنهي عنها التي يستعملها المعزم وغيره ممن يدعي تسخير الجن له، فيأتي بأمور مشتبهة مركبة من حق وباطل، يجمع إلى ذكر الله وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بهم والتعوذ بمردتهم... فلذلك كره من الرقى ما لم يكن بذكر الله وأسمائه خاصة وباللسان العربي الذي يعرف معناه، ليكون بريئا من الشرك، وعلى كراهة الرقى بغير كتاب الله علماء الأمة..... اهـ.
وروى ابن وهب عن مالك كراهة الرقية بالحديدة والملح وعقد الخيط والذي يكتب خاتم سليمان وقال لم يكن ذلك من أمر الناس القديم....
وسئل ابن عبد السلام عن الحروف المقطعة فمنع منها ما لا يعرف، لئلا يكون فيها كفر.
وقال الشيخ حافظ الحكمي في سلم الوصول في بيان ما تشرع الرقية به وما تمنع:
ثم الرقى من حمة أو عين * فإن تكن من خالص الوحيين
فذاك من هدي النبي وشرعته *وذاك لا اختلاف في سنيته
أما الرقى المجهولة المعاني * فذاك وسواس من الشيطان
وفيه قد جاء الحديث أنه *شرك بلا مرية فاحذرنه
إذ كل من يقوله لا يدري * لعله يكون محض الكفر
أو هو من سحر اليهود مقتبس *على العوام لبسوه فالتبس.
وقال في شرح هذه الأبيات: أما الرقى التي ليست بعربية الألفاظ ولا مفهومة المعاني ولا مشهورة ولا مأثورة في الشرع البتة: فليست من الله في شيء، ولا من الكتاب والسنة في ظل ولا فيء، بل هي وسواس من الشيطان أوحاها إلى أوليائه، كما قال تعالى: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ـ وعليه يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: إن الرقى والتمائم والتولة شرك ـ وذلك لأن المتكلم به لا يدري أهو من أسماء الله تعالى، أو من أسماء الملائكة، أو من أسماء الشياطين، ولا يدري هل فيه كفر أو إيمان، وهل هو حق أو باطل، أو فيه نفع أو ضر أو رقية أو سحر. انتهى.
والله أعلم.