عنوان الفتوى : الفروق بين الأحاديث القدسية والقرآن
هل يصح أن يقال: إن إسناد الحديث عند السلف يرقى حتى يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبريل، عن رب السموات ورب العالمين تعالى وتقدس.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد شرف الله هذه الأمة، واختصها بعلم الإسناد، وحفظ عليها به العلم المأثور عن نبيها صلى الله عليه وسلم، قال ابن حزم: نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم مع الاتصال، خص الله به المسلمين دون سائر الملل. انتهى.
وأما تعريف السند والإسناد: فقد قال القاسمي - رحمه الله -: أما السند: فقال البدر بن جماعة، والطيبي، هو: الإخبار عن طريق المتن، قال ابن جماعة: وأخذه إما من السند، وهو ما ارتفع وعلا من سفح الجبل؛ لأن المسند يرفعه إلى قائله؛ أو من قولهم فلان سند، أي: معتمد، فسمى الإخبار عن طريق المتن سندًا؛ لاعتماد الحفاظ في صحة الحديث، وضعفه عليه، وأما الإسناد: فهو رفع الحديث إلى قائله، قال الطيبي: وهما متقاربان في معنى اعتماد الحفاظ في صحة الحديث، وضعفه عليهما، وقال ابن جماعة: المحدثون يستعملون السند، والإسناد لشيء واحد. انتهى.
وبه تعلم أن الإسناد إذا كان منتهيًا إلى أحد الصحابة فهو نقل لكلامه، وإذا انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو نقل لكلامه صلوات الله عليه وسلامه، ويسمى ما انتهى إلى الصحابي موقوفًا، وما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعًا، ثم إن كان الحديث قدسيًا - كالأحاديث التي يحدث بها النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى - فهذا هو المنسوب إلى الله سبحانه، وهذا النوع من الأحاديث قليل بالنسبة إلى سائر السنة، وليس متعينًا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم حدث به عن طريق الملك، بل قد يأتيه الحديث القدسي بغير ذلك من طرق الوحي، وأما سائر السنة فهي من كلامه صلى الله عليه وسلم غير منسوبة إلى الله تعالى، قال الفقيه ابن حجر المكي فيما نقله عنه القاسمي: اعلم: أن الكلام المضاف إليه تعالى أقسام ثلاثة:
أولها - وهو أشرفها -: القرآن؛ لتميزه عن البقية بإعجازه من أوجه كثيرة، وكونه معجزة باقية على مر الدهر، محفوظة من التغيير، والتبديل، وبحرمة مسه لمحدث، وتلاوته لنحو الجنب، وروايته بالمعنى، وبتعينه في الصلاة، وبتسميته قرآنًا، وبأن كل حرف منه بعشر حسنات، وبامتناع بيعه في رواية عند أحمد، وكراهته عندنا، وبتسمية الجملة منه آية، وسورة، وغيره من بقية الكتب، والأحاديث القدسية لا يثبت لها شيء مما ذكر، فيجوز مسه، وتلاوته لمن ذكر، وروايته بالمعنى، ولا يجزئ في الصلاة، بل يبطلها، ولا يسمى قرآنًا، ولا يعطى قارئه بكل حرف عشرًا، ولا يمنع بيعه، ولا يكره اتفاقًا، ولا يسمى بعضه آية، ولا سورة اتفاقًا أيضًا.
ثانيها: كتب الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - قبل تغييرها وتبديلها.
ثالثهًا: بقية الأحاديث القدسية، وهي ما نقل إلينا آحادًا عنه صلى الله عليه وسلم مع إسناده لها عن ربه، فهي من كلامه تعالى، فتضاف إليه، وهو الأغلب، ونسبتها إليه حينئذ نسبة إنشاء؛ لأنه المتكلم بها أولًا، وقد تضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه المخبر بها عن الله تعالى، بخلاف القرآن، فإنه لا تضاف إلا إليه تعالى، فيقال فيه: "قال الله تعالى" وفيها: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تعالى" واختلف في بقية السنة هل هو كله بوحي أو لا، وآية: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} تؤيد الأول، ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه"، ولا تنحصر تلك الأحاديث القدسية في كيفية من كيفيات الوحي، بل يجوز أن تنزل بأي كيفية من كيفياته، كرؤيا النوم، والإلقاء في الروع، وعلى لسان الملك، ولراويها صيغتان:
إحداهما: أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى فيما رواه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعنى واحد. اهـ. انتهى.
والله أعلم.