عنوان الفتوى : ما حكم الافتخار بالشهادة العلمية؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما حكم الافتخار بالشهادة العلمية - مثل الدكتوراه، وغيرها -؟ وهل هو مكروه أم محرم؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فالأصل أن الفخر والافتخار على الناس بالمكارم، والمناقب من حسب، ونسب، وغير ذلك، كالافتخار عليهم بشهادة الدكتوراه، أنه محرم شرعًا، ففي الموسوعة الفقهية: وَقَدْ عَدَّ الْعُلَمَاءُ، كَالْغَزَالِيِّ، وَابْنِ قُدَامَةَ الْفَخْرَ مِنْ دَرَجَاتِ الْكِبْرِ. انتهى.

ولكنْ قد يطلق الافتخار، ويراد به ذكر المكارم، والمناقب على وجه تعظيم نعمة الله، والتحدث بها، والفرح بها، والترغيب فيها، مع التواضع، فهذا محمود.

 قال ابن القيم في مدارج السالكين: الِافْتِخَارُ نَوْعَانِ: مَذْمُومٌ، وَمَحْمُودٌ، فَالْمَذْمُومُ: إِظْهَارُ مَرْتَبَتِهِ عَلَى أَبْنَاءِ جِنْسِهِ تَرَفُّعًا عَلَيْهِمْ، وَهَذَا غَيْرُ مُرَادٍ، وَالْمَحْمُودُ: إِظْهَارُ الْأَحْوَالِ السَّنِيَّةِ، وَالْمَقَامَاتِ الشَّرِيفَةِ، بَوْحًا بِهَا، أَيْ تَصْرِيحًا وَإِعْلَانًا، لَا عَلَى وَجْهِ الْفَخْرِ، بَلْ عَلَى وَجْهِ تَعْظِيمِ النِّعْمَةِ، وَالْفَرَحِ بِهَا، وَذِكْرِهَا، وَنَشْرِهَا، وَالتَّحَدُّثِ بِهَا، وَالتَّرْغِيبِ فِيهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ فِي إِظْهَارِهَا، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ، وَلَا فَخْرَ» وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَا أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَقَدْ أَتَى عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا وَإِنِّي لِثَالِثُ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ إِلَيَّ: أَنَّهُ لَا يُحِبُّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ. وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ. وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَشَارَ إِلَى صَدْرِهِ: إِنَّ هَا هُنَا عِلْمًا جَمًّا، لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَخَذْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعِينَ سُورَةً، وَإِنَّ زَيْدًا لَيَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ. وَقَالَ أَيْضًا: مَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ آيَةٌ إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ نَزَلَتْ؟ وَمَاذَا أُرِيدَ بِهَا؟ وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: لَأَنْ تَخْتَلِفُ فِيَّ الْأَسِنَّةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُحَدِّثَ نَفْسِي فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِ مَا أَنَا فِيهِ، وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - في شرح رياض الصالحين: الافتخار: أن يتمدح الإنسان في نفسه، ويفتخر بما أعطاه الله تعالى من نعمة، سواء نعمة الوالد، أو المال، أو العلم، أو الجاه، أو قوة البدن، أو ما أشبه ذلك، المهم أن يتمدح الإنسان بما أنعم الله عليه فخرًا وعلوًا على الناس.

وأما التحدث بنعمة الله على وجه إظهار نعمة الله على العبد، مع التواضع: فإن هذا لا بأس به؛ لقول الله تعالى: وأما بنعمة ربك فحدث. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، ولا فخر. فقال: ولا فخر: يعني لا أفتخر بذلك، وأزهو بنفسي. انتهى.
وتتميمًا للفائدة فقد استثنى العلماء صورًا من الفخر المذموم من حيث الأصل في بعض المواضع.

فقد جاء في الموسوعة الفقهية: وَقَدِ اسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ مِنَ الْفَخْرِ الْمَذْمُومِ الْفَخْرَ، وَالْخُيَلاءَ فِي الْحَرْبِ، وَنَصُّوا عَلَى اسْتِحْبَابِ الْفَخْرِ وَالْخُيَلاءِ فِي الْحَرْبِ؛ لإِرْهَابِ الْعَدُوِّ. وَكَانَ أَبُو دُجَانَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَتَبَخْتَرُ فِي الْحَرْبِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذِهِ لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ إِلا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ. انتهى.

وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتوى رقم: 137861.

والله أعلم.