عنوان الفتوى : حكم من لم يقتنع بالإسلام وأهل الفترة ومن وقع في الشرك ظانا أنه على الحق
سؤال لصديقي: هل من لم يقتنع بالإسلام يعتبر من أهل الفترة أو كافرا؟ وما حكم من شك في كفر أهل الفترة؟ وما حكم من عمل عملا شركيا ومع نصحه لم يقتنع ظانا أنه على حق؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فمن لم يؤمن بأن دين الإسلام هو الحق فهو كافر بلا ريب، لأنه مكذب للشرع, قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ {آل عمران: 19}.
وقال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {أل عمران: 85}.
فمن لم يؤمن بأن الإسلام حق أو شك في كونه دين الله الذي لا يرضى سواه، فهو كافر.
وفي خصوص أهل الفترة, فقد قال الشيخ ابن باز في تعريفهم: أهل الفترة: هم الذين لم تبلغهم الرسالة، هؤلاء هم أهل الفترة. اهـ.
وهم أصناف، فمنهم من بقي على أصل الفطرة ولم يعبد غير الله تعالى, وهؤلاء لا يُحكم بكفرهم كزيد بن عمرو بن نفيل وغيره, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ثَبَتَ أَنَّهُ ـ أي النبي صلى الله عليه وسلم ـ أَثْنَى عَلَى مَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ كَزَيْدِ بْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِهِ... اهـ.
وأما من مات منهم على الكفر: فقد مال بعض العلماء إلى أنه لا يُحكم لهم بكفر ولا إيمان, قال ابن القيم ردا على من ذهب إلى أنهم في النار ولا يمتحنون: جَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ هَؤُلَاءِ لَا يُحْكَمُ لَهُمْ بِكُفْرٍ وَلَا إِيمَانٍ، فَإِنَّ الْكُفْرَ هُوَ جُحُودُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، فَشَرْطُ تَحَقُّقِهِ بُلُوغُ الرِّسَالَةِ وَالْإِيمَانُ هُوَ تَصْدِيقُ الرَّسُولِ فِيمَا أَخْبَرَ، وَطَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، وَهَذَا أَيْضًا مَشْرُوطٌ بِبُلُوغِ الرِّسَالَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا وُجُودُ الْآخَرِ إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ سَبَبِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ فِي الدُّنْيَا كُفَّارًا، وَلَا مُؤْمِنِينَ كَانَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ حُكْمٌ آخَرُ غَيْرُ حُكْمِ الْفَرِيقَيْنِ فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ تَحْكُمُونَ لَهُمْ بِأَحْكَامِ الْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا مِنَ التَّوَارُثِ، وَالْوِلَايَةِ، وَالْمُنَاكَحَةِ، قِيلَ: إِنَّمَا نَحْكُمُ لَهُمْ بِذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لَا فِي الثَّوَابِ، وَالْعِقَابِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: سَلَّمْنَا أَنَّهُمْ كُفَّارٌ، لَكِنِ انْتِفَاءُ الْعَذَابِ عَنْهُمْ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ وَهُوَ قِيَامُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُ إِلَّا مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ حُجَّتُهُ.
وقال العلامة الشنقيطي: وهذه الآيات التي ذكرنا وأمثالها في القرآن العظيم تدل على عذر أهل الفترة بأنهم لم يأتهم نذير ولو ماتوا على الكفر... وبهذا قالت جماعة من أهل العلم، وذهبت جماعة أخرى من أهل العلم إلى أن كل من مات على الكفر فهو في النار، ولو لم يأته نذير. اهـ.
ومن وقع في عمل كفري وهو جاهل فإنه يبين له حكم ما فعله وتقام الحجة عليه، فإن لم يرجع حُكِمَ بكفره، ولا يُكفر قبل قيام الحجة عليه، وانظر الفتوى رقم: 211198.
والحكم على الناس بالكفر يتولاه أهل العلم خاصة دون غيرهم, وننبه السائل إلى أن كثيرا من أسئلته تدور في فلك الشك في مسائل العقيدة والتكفير، وقد يكون هذا بسبب الوسوسة والاسترسال معها، فنحذر السائل من ذلك، وقد نصحناك في جواب سابق بهذا الخصوص.
والله أعلم.