عنوان الفتوى : معنى قول: يلعن خيره، وأحكام متعلقة به

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما حكم قول: يلعن خيره؟ وما معناها؟ وهل تصل إلى الكفر؟. 

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

اللَّعْنُ: الإِبْعادُ والطَّرْد مِنَ الْخَيْرِ، وَقِيلَ: الطَّرْد والإِبعادُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنَ الخَلْق السَّبُّ والدُّعاء ـ قاله ابن منظور ‏في اللسان.

وفي الموسوعة الفقهية: ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.

وهو كذلك، فقد قال الشيخ ‏بكر في المناهي اللفظية: وفي الشرع: الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى.

والخير ضد الشر، وهذا التركيب: يلعن خيره ـ عبارة تستعملها العامة لا بمعنى الدعاء على خير الشخص المضاف إليه، بل ‏هي غالبا ما تسعمل بأحد إطلاقين: إما تعجبا على نحو قول العرب: قاتله الله ما أشجعه، وَهَوَتْ أمّه ما أَرْجَلَه ـ ‏إذا ظهر منه ما يستدعي التعجب، وإما إخبار لبيان مبلغ الأذى الذي لحق إنسانا ما من آخر فيقال: لعن خيرَه ـ يعني ‏أضره إضرارا بليغا. وكلا الاستعمالين لا يقصد به السب والطرد أو الدعاء على الشخص الملعون خيره ـ كما هو ظاهر ـ خاصة وأن العامة تقولها بدون إسناد اللعن إلى لفظ الجلالة، وهذا أبعد عن ‏المأثم، لئلا يكون في ذلك تقوُّل على الله تعالى، كما حذر منه الإمام الغزالي في الإحياء فقال: فإن في اللعنة خطرا، ‏لأنه حكم على الله عز وجل بأنه قد أبعد الملعون، وذلك غيب لا يطلع عليه غير الله تعالى.

وينبغي تجنب هذه الألفاظ المشتملة على مادة اللعن وإن لم يقصد المتكلم المعنى اللغوي أو الشرعي، لأن المسلم لا يكون لعانا، ولا يكون اللعان صديقا، ولأن اللفظ ‏يبقى له مدلوله اللغوي والشرعي المتوارد على الأذهان متبادرا من أصل مادة اللعن فيهون خطره في القلوب ويسهل تداوله على الألسنة في غير المورد ‏المذكور، ولذلك شاع اللعن في زماننا وصار فاكهة مجالس السفهاء، وطال الآباء والأمهات، بل الدين ـ والله المستعان ‏‏ـ ولأن إطلاق أدلة النهي عن اللعن وذم اللعانين تشمل لعن الأشياء ـ كما سنسوق بعضها ـ وإن كان مراد المتكلم معنى آخر من باب ‏الكناية أو النقل، لأن الحكم له تعلق باللفظ وليس متعلقا فقط بمراد المتكلم محضا، ولذلك نهى الله المؤمنين عن قول راعنا سدا ‏للذريعة وإن كان مرادهم معنى صحيحا، فقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا ‏وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ  {البقرة: 104}.

قال القنوجي في فتح البيان: وفي ذلك دليل على أنه ينبغي تجنب الألفاظ المحتملة ‏للسب والنقص؛ وإن لم يقصد المتكلم بها هذا المعنى المفيد للشتم سداً للذريعة ودفعاً للوسيلة، وقطعاً لمادة المفسدة ‏والتطرق إليه.

وإن تعلق اللعن بجماد أو حيوان، فقد نص الشافعية على أنه لا يجوز لعن الحيوان والجماد، كما في إحياء علوم الدين والأذكار، ومن ذلك: حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ ‏أَسْفَارِهِ، وَامْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ، فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ ‏عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا، فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ ـ قَالَ عِمْرَانُ: فَكَأَنِّي أَرَاهَا الْآنَ ‏تَمْشِي فِي النَّاسِ، مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ. رواه مسلم.

ومن ذلك أيضا ما ورد في سنن أبي داود عَنْ أُمِّ ‏الدَّرْدَاءِ قَالَتْ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ ‏إِلَى السَّمَاءِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا، ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِذَا لَمْ تَجِدْ ‏مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ، فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا وَإِلَّا رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا. حسنه الألباني.

فمن قال تلك الكلمة المسئول ‏عنها: يلعن خيره ـ لا يأمن من أن ينال الشيء الملعون شيئا يستدعي هجرا كما في الدابة المذكورة في حديث مسلم، أو ترجع اللعنة ‏عليه كما في حديث أبي داود هذا، ولا يلزم من قول: يلعن خيره ـ ما يقتضي كفر اللاعن ولا الملعون خيره، لأن اللاعن لم يتقول على الله، ‏إذ لم يسند اللعن إليه، كما نوه إليه الإمام الغزالي آنفا، ولأن الملعون لم يأت ما يوجب كفره، ومجرد الإعجاب بالشخص أو الإخبار عن خيره ‏بالهلاك لا يقتضي كفره، ولأن النّبيّ ـ صَلَى اللّه عليه وسَلّم ـ قال: لعن المؤمن كقتله. متفق عليه.

وقتل المؤمن ‏وهو المشبه به ليس كفرا، فكيف بالأدنى وهو اللعن، وهو المشبه؟ وإنما نص العلماء على كفر من لعن نبيا أو ‏رسولا، كما في المناهي اللفظية للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد، أما الكفر بلعن جماد: فلم نقف على قائل به.

والله أعلم.