عنوان الفتوى : حكم التوقيع على عقد به شروط مخالفة للشرع
معلوم أن إرادة التحاكم إلى غير ما أنزل الله عز وجل كفرٌ بالله، وقد رأيت بعض ما قد صدر عن موقعكم الكريم وغيره من فتاوى بخصوص استعمال البرامج والمواقع التي تنصُّ شروطها على التحاكم إلى محاكم وضعية عند الاختلاف، وقد علمتم أننا لم نسمع بحدوث ذلك، وإنما الشرط مكتوب ولا يكاد يُطبَّق على الأفراد ـ فيما أعلم ـ وهذا عامٌ لا يكاد يخلو برنامجٌ منه حتى أنظمة التشغيل الشهيرة، وقد كانت الفتوى بجواز ذلك عند الحاجة والضرورة، وهنا أسأل: فعند عدم الحاجة أيكون قبول تلك الشروط من الكفر بالله عز وجل؟ أم معصية صغيرة؟ أم يكون كبيرة؟ وماذا عن البرنامج الذي يحتاجه شخص وليس كل استعماله له من باب الحاجة، وإن كان يحتاج له من جهة الأصل؟ وماذا يفعل المرء في تقدير الحاجة؟ وهل يحتاج فعلًا للشيء أم لا يحتاج له؟ ثم هناك رجلٌ لست أعرف أهو عالم أم لا، أي أنه عندي مجهول، وقد نقل كلامه بعض طلبة العلم، وهذا الرجل فرَّق بين الضغط على زر وظيفته هي إظهار الموافقة على الشروط فقط، وبين الضغط على زر مكتوب عليه موافق، وله استعمال آخر وهو تنصيب البرنامج، فقال إن الأولى قبول صريح للشروط، بينما الثانية بمنزلة أن تفتح بابًا كتب عليه: لو فتحت هذا الباب فأنت تقبل الشروط! فجعلَ الحالة الثانية متعلقة بالنية، فمن نوى مجرد التقدم في تنصيب البرنامج ولم يكن ينوي قبول الشروط، فقد استعمل الزر بأحد استعمالاته فقط، علمًا أن نقلي لكلام هذا القائل قاصر وأنا أنقله من ذاكرتي فقط، وكلامه أوضح ويتعذر نقله وهنا أضيف أن بعض المواقع لا تطلب أبدًا ضغط زر موافقة، ولكن تقول: أنت بالتسجيل في الموقع توافق على الشروط، وبعض المواقع لا تطلب أي شيء من هذا ولا تكتب مثل هذا التنبيه عند التسجيل، ولكنها تضع رابطًا في أسفل الصفحات وعنوان الرابط هو كلمة: الشروط ـ ومكتوب في صفحة الشروط: باستعمالك للموقع أنت تقبل الالتزام بهذه الشروط، فهل هناك فرق بين الضغط على زر مخصص حصرًا لقبول الشروط، وبين الضغط على زر مكتوب عليه موافق؟ ولكن يُستعمل لأجل التقدم في تنصيب البرنامج وليس فقط لقبول الشروط مع عدم نية الموافقة، وبين الضغط على زر مثل التسجيل مع أنه مكتوب فوقه أنه بالتسجيل فأنت تقبل الالتزام بالشروط، وبين التسجيل دون الضغط على أي شيء فيه الالتزام بأي شروط، لكن الموقع فيه صفحة تحتوي على الشروط وفيها أن مجرد استعمال الموقع يتضمن أنك تقبل الشروط؟ ثم بخصوص إباحة قبول الشروط مع استحضار بغض تلك الشروط وقبول ما لا يخالف شرع الله فقط ومعرفة أن ذلك التحاكم لتلك المحاكم لا يكاد يحدث أبدًا وكأنه مجرد كلمات مكتوبة من ناحية التطبيق، بخصوص إباحة ذلك عند الحاجة، فمثلًا: هل يُقال إن الإنسان يحتاج لبرامج الترفيه أو نحو ذلك؟ ولو قيل يحتاج لواحدٍ، فهل يحتاج لأكثر؟ وكذلك مواقع التواصل ونحوها، بل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في قبول اتفاقيات مثل تلك البرامج والتي تتضمن الشرط المذكور ـ كما قد بينا ذلك في الفتوى المشار إليها في السؤال وغيرها ـ مع استحضار المستعمل كرهه لهذا الشرط وبغضه في نفسه، وأنه إنما يقبل من الأحكام ما وافق الشرع، وأنه لا يرضى بالتحاكم لغير ما أنزل الله ولا يقره، وإنما ألجئ إلى قبول مجمل الاتفاق فحسب، فإذا استحضر ونوى ما ذكرنا فلا يكون ذلك كفرا ولا كبيرة ولا صغيرة، وكذلك لا فرق في الجواز بين أن تكثر حاجته إلى تلك البرامج أو تقل طالما أن أصل الحاجة موجود، فإذا انتفت الحاجة، فالأصل هو المنع من قبول الشرط المذكور، وراجع بشأن مفهوم الحاجة الفتوى رقم: 50200.
وأما ما أشرت إليه من اختلاف وظائف الأزرار وما يكتب عليها: فلا يظهر لنا فرق ذو بال بينها في الجواز طالما أن نية المستخدم هي تنصيب البرنامج مع بغض ما يخالف الشرع وعدم قبوله.
والله أعلم.