عنوان الفتوى : النفث في الماء للرقية لا يدخل في النهي عن النفخ في الشراب
نفث الراقي في الماء والعسل، ليشربه المريض. هل يدخل في النهي عن النفخ في الشراب؟ وهل له أصل في الشرع ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الراقي يشرع له النفث على المريض إذا قرأ القرآن، كما يدل له حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري وفيه أنه قرأ بفاتحة الكتاب وتفل. ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك حجة كما قال ابن حجر في الفتح.
وأما النفث في الماء وما أشبهه، فقد استدل له بعض أهل العلم - كما في الفتح، وفي مجلة البحوث العلمية - بحديث أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ثابت بن قيس وهو مريض، فقال: اكشف البأس رب الناس، ثم أخذ ترابا من بطحان فجعله في قدح ثم نفث عليه بماء وصبه عليه. ولكن هذا الحديث متكلم في سنده كما قال الألباني.
وقال الشيخ العباد في شرح سنن أبي داود: قوله: [ (ثم أخذ تراباً من بطحان فجعله في قدح، ثم نفث عليه بماء وصبه عليه) ]. محل الشاهد قوله: (نفث عليه) يعني: نفث على الماء رقية، وصبه عليه، وهذا الحديث فيه دلالة على جواز النفث في الماء، وعلى الرقية في الماء، واستعمال المريض لها، لكن هذا الحديث في إسناده ضعف؛ لأن فيه يوسف بن محمد وهو مقبول، وقد جاء عن عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- أثر صحيح في مصنف ابن أبي شيبة أنها كانت لا ترى بأساً أن يقرأ في الماء، ثم يسقى المريض أو يصب على المريض، وأما صب الماء على التراب فلم يأت إلا من هذه الطريق التي فيها يوسف، فيكون غير ثابت، والذي ثبت هو أثر عائشة أنها كانت ترى أن ينفث في الماء، ويشربه المريض أو يصب على المريض. اهـ .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: النفث في الماء علي قسمين:
القسم الأول: أن يراد بهذا النفث التبرك بريق النافث، فهذا لا شك أنه حرام، ونوع من الشرك ...
القسم الثاني: أن ينفث الإنسان بريق تلا فيه القرآن الكريم مثل أن يقرأ الفاتحة، والفاتحة رقية وهي من أعظم ما يرقى به المريض فيقرأ الفاتحة وينفث في الماء، فإن هذا لا بأس به، وقد فعله بعض السلف، وهو مجرب ونافع بإذن الله، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفث في يديه عند نومه بقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس. فيمسح بها وجهه وما استطاع من جسده صلوات الله وسلامه عليه، والله الموفق. اهـ .
قال ابن مفلح: وقال صالح بن الإمام أحمد: ربما اعتللت فيأخذ أبي قدحاً فيه ماء، فيقرأ عليه، ويقول لي: اشرب منه، واغسل وجهك ويديك. ونقل عبد الله أنه رأى أباه (يعني أحمد بن حنبل) يعوذ في الماء، ويقرأ عليه ويشربه، ويصب على نفسه منه. انظر الآداب الشرعية.
وأما النهي عن النفخ في الطعام، فهو ثابت في الأحاديث، وعلة النهي تقذيره على الناس، وهذا يخالف حال نفث الراقي؛ لأن الناس يطلبون نفثه التماسا لبركة القرآن ولا يتقذرونه.
قال الباجي في المنتقى: قال مالك في العتبية: ويكره النفخ في الطعام، كما يكره النفخ في الشراب. ومعنى ذلك عندي أنه يتوقع أن يسرع إليه من ريق النافخ من غير اختياره ما يتقذر به ذلك الطعام كما يتقذر الشراب. اهـ.
وقال البهوتي في الكشاف: ( ويكره نفخ في الطعام والشراب ) ليبرد. قال في المستوعب: النفخ في الطعام، والشراب، والكتاب منهي عنه. وقال الآمدي: لا يكره النفخ والطعام حار. قال في الإنصاف: وهو الصواب إن كان ثم حاجة إلى الأكل حينئذ. اهـ.
وقال النفراوي: ( وينهى ) للآكل والشارب على جهة الكراهة ( عن النفخ في الطعام, و ) عن النفخ في ( الشراب ) خوف إصابة ريقه للباقي, واختلف في علة النهي فقيل لإهانة الطعام، وعليه فيكره النفخ فيه وإن أكل وحده, وقيل لئلا يصيب ريقه الباقي فيؤذي غيره، وعليه فمحل النهي إذا كان معه غيره. اهـ.
والله أعلم.