عنوان الفتوى : إذا زنت المرأة ، ثم أجبرت على الزواج من رجل عفيف ، فهل يصح ذلك الزواج ؟
ذكر الله تعالى في القرآن أن الزاني لا ينكح إلا زانية ، وسمعت كذلك حديثاً مفاده أن رجلاً زانياً أقيم عليه الحد فمُنع من الزواج بامرأة بكر إلا أن تكون مثله ، أي وقع عليها حد الزنا سابقاً . فإذا كان الأمر هكذا ، فما الحكم في امرأة زانية أُجبرت على الزواج برجل غير زان ؟ ولم تستطع تجنب هذا الزواج لأسباب ما، فماذا تعمل الآن ؟ إنها تشعر بالخوف من ممارسة الجماع مع زوجها ؛ لأن الزواج على اعتبار الأدلة المذكورة في الأعلى غير صحيح ..! أرجو توضيح الحكم الشرعي لهذه الحالة ، فهذه المرأة قد عدمت مساعدة الآخرين ، وأصبح وضع العائلتين ( عائلة الزوج والزوجة ) على المحك .
الحمد لله
أولاً :
ليس المقصود من قوله تعالى : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً ... الآية )
النور/3 ، أن الزاني ليس له أن يتزوج إلا زانية ، وكذلك المرأة الزانية ليس لها أن
تتزوج إلا زانيا ، بل المقصود من الآية : حرمة نكاح الزاني أو الزانية من العفيف ،
ما لم يتوبا .
قال ابن كثير رحمه الله : "
ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على
المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب ، فإن تابت صح العقد عليها ، وإلا فلا ،
وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح ، حتى يتوب توبة
صحيحة ؛ لقوله تعالى : ( وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) " انتهى من "
تفسير ابن كثير " (6/9) .
وقال الشيخ عبد الرحمن
السعدي رحمه الله : " ومعنى الآية : أن من اتصف بالزنا ، من رجل أو امرأة ، ولم يتب
من ذلك ، أن المقدم على نكاحه ، مع تحريم الله لذلك ، لا يخلو :
إما أن لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله ، فذاك لا يكون إلا مشركا .
وإما أن يكون ملتزما لحكم الله ورسوله ، فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه ، فإن هذا
النكاح زنا ، والناكح زان مسافح ، فلو كان مؤمنا بالله حقا ، لم يقدم على ذلك .
وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب ، وكذلك إنكاح الزاني حتى يتوب " .
انتهى من " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " (ص/561) .
فالرجل العفيف لا يجوز له أن
يتزوج امرأة زانية ، وكذلك المرأة العفيفة لا يجوز لها الزواج من رجل زانٍ ، إلا
إذا حصلت التوبة ممن اتصف بالزنا منهما ، وكذلك الزاني والزانية ليس لهما أن يتزوجا
إلا إذا تابا .
وللفائدة ينظر جواب السؤال
رقم : (122639) ،
وجواب السؤال رقم : (14381)
.
ثانياً :
من تاب من الزنا ارتفع عنه وصف الزنا ، فلم يشمله النهي الوارد في حرمة نكاح الزاني
، وجاز له في هذه الحال أن يتزوج من امرأة عفيفة – أي : لم يسبق لها الوقوع في
فاحشة الزنا – كما يجوز له أن يتزوج ممن قد زنت سابقاً ، لكنها تابت .
وكذلك الحال بالنسبة للمرأة الزانية : ليس لها أن تتزوج بمسلم عفيف حتى تتوب ، فإن
تابت : صح نكاحها منه .
وأما ما ذكرتيه من أن الزاني
المحدود ليس له الزواج ، إلا بامرأة مثله قد وقعت في الزنا وأقيم عليها الحد ، فهذا
قول منقول عن بعض السلف ، واستدلوا على ذلك بما رواه أبو داود (2052) عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَنْكِحُ الزَّانِي
الْمَجْلُودُ ، إِلَّا مِثْلَهُ ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح سنن أبي داود "
.
قال القرطبي رحمه الله : "
ذكره الزجاج وغيره عن الحسن ، وذلك أنه قال : المراد : الزاني المحدود والزانية
المحدودة ، قال : وهذا حكم من الله ، فلا يجوز لزان محدود أن يتزوج إلا محدودة ،
وقال إبراهيم النخعي نحوه .
وفي مصنف أبى داود عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : ( لا ينكح الزاني المحدود إلا مثله ) ، وروى أن محدودا تزوج غير محدودة ،
ففرق علي رضى الله عنه بينهما .
قال ابن العربي : وهذا معنى لا يصح نظرا كما لم يثبت نقلا ، وهل يصح أن يوقف نكاح
من حد من الرجال ، على نكاح من حد من النساء ، فبأي أثر يكون ذلك ، وعلى أي أصل
يقاس من الشريعة ! " انتهى من " تفسير القرطبي " (12/168-169) .
والصحيح أن يقال : إن وصف (
المجلود ) في الحديث خرج مخرج الغالب باعتبار من ظهر منه الزنا ، وثبت عليه ، وذلك
لا يكون إلا فيمن نفذ عليه الحد ، فيكون معنى الحديث : أن المرأة العفيفة لا يحل
لها الزواج ممن ظهر منه الزنا ، وكذلك الرجل لا يحل له الزواج ممن ظهر منها الزنا ،
فيكون معنى الحديث موافقاً لمعنى الآية : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً
) ومؤكدا له .
قال الشوكاني رحمه الله : "
قوله : ( الزاني المجلود ) هذا الوصف خرج مخرج الغالب ، باعتبار من ظهر منه الزنا ،
وفيه دليل على أنه لا يحل للمرأة أن تتزوج من ظهر منه الزنا ، وكذلك لا يحل للرجل
أن يتزوج بمن ظهر منها الزنا ، ويدل على ذلك الآية المذكورة في الكتاب ؛ لأن في
آخرها : ( وحرم ذلك على المؤمنين ) انتهى من " نيل الأوطار " (6/201) .
وبناءً على ما سبق ، فمتى
ندمت المرأة على ما وقعت فيه من الزنا ، وتابت منه قبل أن يعقد عليها ذلك الرجل ،
فالعقد صحيح ، ويلزمها أن تستر على نفسها ، فلا تخبر أحدا عما حصل منها سابقاً .
وأما لو وقع عقد النكاح قبل حصول التوبة من الزنا ، فالقول المفتى به في الموقع أنه
لا يصح النكاح ، ويلزم إعادته ، وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (85335)
.
فإذا أمكن أن يعاد عقد النكاح – في حال وقع العقد قبل التوبة - ، ولو بأي مبرر مقبول : فهذا هو المطلوب والأحوط ؛ خروجاً من خلاف أهل العلم رحمهم الله ، واحتياطاً لعقد النكاح .
فإن لم يمكن ذلك إلا
بالتصريح بحدوث الزنا ، وكان في ذلك التصريح مفاسد ، من وقوع الطلاق على المرأة إذا
علم زوجها بأمرها السابق ، أو على الأقل حدوث الشك والريبة من الزوج إن رضي ببقاء
زوجته معه ، أو هتك سترها بين الناس ، أو تعييرها به ، ونحو ذلك من المفاسد : فلا
حرج عليها ، إن شاء الله ، في الاستمرار في ذلك العقد ، ولا شك أن هذا قول معتبر ،
له وجهه ، بل هو قول جمهور العلماء ، خاصة في حق من دخل في ذلك العقد ، وهو يعتقد
صحته .
بل صرح بضع الحنابلة أنفسهم ، بتصحيح النكاح في الصورة المذكورة :
قال المرداوي رحمه الله : " وقال بعض الأصحاب : لا يحرم تزوجها قبل التوبة إن نكحها غير الزاني . ذكره أبو يعلى الصغير " انتهى من " الإنصاف " (8/133) .
والحاصل من ذلك :
أنه إذا لم يمكن تجديد عقد النكاح بين الأسرتين ، إلا بمفسدة أعظم ، أو فضيحة وهتك
ستر للمرأة : فلا بأس عليها في المضي في هذا النكاح ، وتمكين زوجها من نفسها ،
وممارسة حياتها بصورة طبيعية .
وينظر للفائدة جواب السؤال
رقم : (131467) .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |