عنوان الفتوى : تندفع الوساوس بالاستعانة بالله والاستعاذة من شر الشيطان

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أنا ولد عمري 14عاما، لدي مشكلة إنها الوسواس، دائما يأتيني في كل الأوقات في الأكل والشرب والصلاة، لم أجد في حياتي السعادة، لدي وسوسة عن العقيدة والدين، يوسوس لي الشيطان مثلا وأنا أشاهد التلفاز -والعياذ بالله- يقول لي: هذا ربك، أو عندما أكون أتصفح الحاسوب يقول لي نفس الكلام، إنه لا يتركني، كنت أشعر أنني سوف أدخل في جهنم وأتعذب، يقول لي الشيطان أنت كافر لا فائدة، فأشعر حينها بخوف وبفزع حتى يتصبب العرق من وجهي وصدري، أيضا كنت أشعر بصدري أنه ضيق وصغير، لا أعرف كيف أصفه وكأن صدري سوف يقلع من مكانه. أنا أريد أن أكون سعيدا في حياتي، وأن أكون مطمئنا بأنني مسلم، وأن أكون أيضا مطمئنا أن الله تعالى راض عني. وجزاكم الله خيرا.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالوسوسة من شر الأدواء، وليس لها علاج غير الإعراض عنها وعدم الالتفات إليها، ومن ثم فنحن ننصحك بالإعراض عن كل هذه الوساوس وألا تلقي لها بالا، وامض في حياتك بصورة طبيعية غير مكترث بهذه الوساوس، وكلما طرح الشيطان في قلبك شيئا منها فجاهده وادفعه عن نفسك، وعليك بشغل النفس والوقت بما ينفع من تعلم علم نافع وعمل صالح، وبعدم الانفراد وحدك، وصحبة الأخيار. وعليك بالابتهال والتضرع إلى الله، والتوكل عليه؛ فإنه نعم الوكيل، وقد قال الله عن الشيطان الرجيم: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {النحل: 99}.

قال الشيخ السعدي رحمه الله: فالطريق إلى السلامة من شره الالتجاء إلى الله، والاستعاذة من شره، فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، متدبرا لمعناها، معتمدا بقلبه على الله في صرفه عنه، مجتهدا في دفع وسواسه وأفكاره الرديئة، مجتهدا على السبب الأقوى في دفعه وهو التحلي بحلية الإيمان والتوكل؛ فإن الشيطان { لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ} أي: تسلط {عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ} وحده لا شريك له {يَتَوَكَّلُونَ }، فيدفع الله عن المؤمنين المتوكلين عليه شر الشيطان، ولا يبقى له عليهم سبيل. اهـ.
واعلم أن استشعارك خطورة ما تجد في نفسك دال على إيمانك وعدم كفرك، وقد شكا الصحابة رضي الله عنهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من هذا مما يجدونه في أنفسهم ويكره أحدهم أن يتكلم به، ويود أن لو خر من السماء ولا يتكلم به، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك صريح الإيمان.

قال النووي: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَلِكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ، وَمَحْضُ الْإِيمَانِ. مَعْنَاهُ اسْتِعْظَامُكُمُ الْكَلَامَ بِهِ هُوَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ، فَإِنَّ اسْتِعْظَامَ هَذَا وَشِدَّةَ الْخَوْفِ مِنْهُ وَمِنَ النُّطْقِ بِهِ فَضْلًا عَنِ اعْتِقَادِهِ، إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ اسْتِكْمَالًا مُحَقَّقًا، وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيبَةُ وَالشُّكُوكُ.. وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يُوَسْوِسُ لِمَنْ أَيِسَ مِنْ إِغْوَائِهِ فَيُنَكِّدُ عَلَيْهِ بِالْوَسْوَسَةِ لِعَجْزِهِ عَنْ إِغْوَائِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِنَّهُ يَأْتِيهِ مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَلَا يَقْتَصِرُ فِي حَقِّهِ عَلَى الْوَسْوَسَةِ بَلْ يَتَلَاعَبُ بِهِ كَيْفَ أَرَادَ. فَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ سَبَبُ الْوَسْوَسَةِ مَحْضُ الْإِيمَانِ، أَوِ الْوَسْوَسَةُ عَلَامَةُ مَحْضِ الْإِيمَانِ وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتِيَارُ القاضي عياض. انتهى.

وأما ضيق الصدر الذي تجده فهو من آثار الوسواس الذي تجده.

فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في الفتاوى: والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان، وبوساوس الكفر التي يضيق بها صدره، كما قال الصحابة: يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لئن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: ذاك صريح الإيمان ـ وفي رواية: ما يتعاظم أن يتكلم به، قال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ـ أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان، كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه، فهذا أعظم الجهاد، والصريح الخالص كاللبن الصريح، وإنما صار صريحا لما كرهوا تلك الوساوس. اهـ.

ومن أعظم ما يجلب الطمأنينة والسكينة ذكر الله تعالى، فقد قال الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28} الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ {الرعد:29}.

ومن أسباب علاج الوسوسة استشارة الأطباء المختصين الثقات في مثل هذا المرض، فإنه ما من داء إلا وله دواء، عرفه من عرفه، وجهله من جهله .

والله أعلم.