عنوان الفتوى : وجه قول العبد في دعاء الاستخارة (..اللهم إن كنت تعلم..)
لا تتأخروا علي بالرد فالوضع لا يتحمل التأخير أو التجاهل، هل من الممكن شرح الاستخارة؟ لأنني لم أفهمها، مثال: تقدم لي شخص فقمت بالاستخارة ودعوت دعاء الاستخارة التالي:اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ .......اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ ـ هنا تسمي حاجتك ـ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ, فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ, اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ ـ هنا تسمي حاجتك ـ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ, فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ، وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ، في هذا الجزء بالذات أشعر بالانكسار، أين الثقة بالله؟ أين التوكل؟ أين حسن الظن.. أشعر أنها رُميت إلى عرض الحائط! ألم يخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديثين التاليين بذلك: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ، وَلَا يَقُولَنَّ: اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي، فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمْ فِي الدُّعَاءِ، فَإِنَّ اللَّهَ صَانِعٌ مَا شَاءَ لَا مُكْرِهَ لَهُ، أنا تائهة هنا، أصبحت لا أستخير وإذا استخرت أقول دعاء الاستخارة، وعندما أصل إلى الجزء الأخير: اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ ـ هنا تسمي حاجتك ـ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي ـ لا أقوله، بل أقول اللهم أجعل هذا الأمر خيرا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ويسره لي....أنا مؤمنة بالله جدا جدا جدا وأعلم أنه على كل شي قدير ولا يرد عبدا ولا أمة، والله يحب المتوكلين، وجبريل عليه السلام كان يقول لمحمد عليه الصلاة والسلام: يا محمد قل توكلت على الحي الذي لا يموت، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا كَرَبَنِي أَمْرٌ إِلا تَمَثَّلَ لِي جِبْرِيلُ, فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْ: تَوَكَّلْتُ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ، أطلب الفتوى في هذا الموضوع لا أريد اقتباسات من علماء في موضوع الاستخارة أو من الأحاديث فأنا أعلم الأحاديث والاستخارة والرضا بما اختاره الله، وأن الله يعلم ونحن لا نعلم سبحانه فقد أستخير في أمر شر لي فيصرفه الله عني وبوجود الدعاء وقدرة الله يسخر لي الأمر ويجعله الخير لي، أحتاج من يفتيني في الموضوع لأنني حائرة فقد قرأت كثيرا قبل طرح الفتوى ولم أجد جوابا فقط اقتباسات من شيوخنا رحمهم الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبعيدا عن النقل عن أهل العلم وذكر كلامهم فإننا نعجب من ظنك التعارض بين هذه النصوص ولا وجه لهذا الوهم أصلا، وكل ما خرج من بين شفتي النبي صلى الله عليه وسلم حق فإنه صلوات الله عليه لا ينطق عن الهوى وكيف توهمت هداك الله أن دعاء الاستخارة ينافي التوكل على الله والتفويض إليه وحسن الظن به؟ وهل هذا الدعاء إلا محض التوكل والتفويض وحسن الظن؟ وليس ثم تعارض بين الأمر بالجزم في المسألة وألا يقول اغفر لي إن شئت وبين الاستخارة، فإن ما يجزم الإنسان بحاجته إليه كالمغفرة والرحمة فإنه يسأله جازما بطلبه ولا يقول إن شئت، لأن الله لا مكره له، وأما ما لا يعلم الإنسان وجه الخير فيه كالإقدام على فعل ما أو الإحجام عنه لقصور عقله وضعف علمه، فإن كمال الأدب والتفويض والتوكل وحسن الظن أن يكل الأمر إلى عالمه فيسأل الله جازما بمسألته أن يختار له ما هو الخير ثم يرضيه به، والإنسان قد يتوهم الشر خيرا والعكس، فمن تمام الأدب أن ينخلع عن الحول والقوة ويكل الاختيار إلى من هو أعلم بمصالحه وأرحم به من الأم بولدها ويرضى بتدبيره له سبحانه، كما نهينا عن تمني الموت، لأننا لا نعلم أين يكون الخير وأمرنا أن نقول: اللهم أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ـ فما تفعلينه من تغيير صيغة الاستخارة أمر غير مشروع، لما فيه من مخالفة للنص، وأحسن الناس ظنا بالله وأصدقهم توكلا عليه هو النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي علمنا هذا الدعاء العظيم المفعم بمعاني التوكل والتفويض لو أعطيته حقه من التدبر، فاستخارة الله في الأمور كلها علامة سعادة العبد وأنه ألهم التوفيق وأحسن ظنه بربه ورضي باختياره له وانخلع من الحول والقوة واستسلم لحكم ربه فيه لعلمه أنه الحكيم العليم الرؤوف الرحيم تبارك وتعالى، وهو حين يستخيره لا يقول افعل كذا إن شئت، لأن الله لا مكره له، فلا يقول فاقدره لي إن شئت ولا رضني به إن شئت ولا فاصرفه عني إن شئت كما أنه إذا دعا الله بما يقطع بكونه مصلحة له كالمغفرة والرحمة لا يقول اغفر لي إن شئت ولا ارحمني إن شئت لأن الله تعالى لا مكره له فلا يفعل شيئا بغير مشيئته سبحانه وتعالى، وإذا فهمت ما ذكرناه ظهر لك أن ما تتوهمينه من تعارض أمر لا حقيقة له، وأن ما تظنينه من منافاة دعاء الاستخارة للتوكل وحسن الظن بالله تعالى هو خلاف الصواب، بل هو ظن باطل، فإن الاستخارة هي محض التوكل وحسن الظن بالله تعالى كما مر.
والله أعلم.