عنوان الفتوى : أنواع الحساب يوم القيامة
لدي سؤال : اشرحوا لنا أنواع وكيفية الحساب في القبر ويوم القيامة ، فتارة نقرأ في الحديث الشريف أنه من نوقش الحساب عذب ، وأن المؤمن لا يرى إلا عرض الحساب ، وفي القرأن الكريم نقرأ أن كل شئ من عمل الأنسان سيراه ولو كان مثقال ذرة من خير أو شر ، أي ولو شربة ماء سيعد من النعيم ، ويحاسب عليها ، بغض النظر أكان مؤمنا أو كافرا والعياذ بالله نرجوا تفسيرا لذلك .
الحمد لله
أولا :
عذاب القبر ونعيمه ثابت بالنص والإجماع ، والأصل أن العذاب والنعيم في القبر يكون
على الروح ، وقد تتصل الروح بالبدن فيصيبه شيء من العذاب أو النعيم .
راجع إجابة السؤال رقم (47055)
ورقم (8829) ورقم (21212)
.
وأما الحساب : فليس هناك في
القبر حساب ، إنما هو عذاب على بعض ما عمل ، أو نعيم في القبر لمن كان من أهل الخير
، وأما الحساب فإنه يكون في موقف القيامة .
ثانيا :
الأصل أن يحاسب الناس كلهم في موقف القيامة ، إلا صنفا من الناس ، يتفضل الله عليهم
، فيدخلهم الجنة من غير سبق حساب ، ولا عذاب ، كما سبق في جواب السؤال رقم (4203).
روى الترمذي (3357) عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ : ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ
يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ ) قَالَ النَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ أَيِّ
النَّعِيمِ نُسْأَلُ فَإِنَّمَا هُمَا الْأَسْوَدَانِ وَالْعَدُوُّ حَاضِرٌ
وَسُيُوفُنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا ؟ ( قَالَ إِنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ ) حسنه الألباني
في" صحيح الترمذي " .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية :
" أي: ثم لتسألن يومئذ عن شكر ما أنعم الله به عليكم، من الصحة والأمن والرزق وغير
ذلك ، ما إذا قابلتم به نعمه من شكره وعبادته " انتهى من "تفسير ابن كثير" (8 /474)
.
وروى الترمذي (2417) وصححه عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَزُولُ
قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا
أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ
اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ) .
صححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال ابن القيم رحمه الله :
" قال قتادة : " إن الله سائل كل عبد عما استودعه من نعمه وحقه .
والنعيم المسئول عنه نوعان : نوع أخذ من حله وصرف في حقه فيسأل عن شكره ونوع يأخذ
بغير حله وصرف في غير حقه فيسأل عن مستخرجه ومصرفه " انتهى من "إغاثة اللهفان" (1
/84) .
وقال أيضا :
" كل أحد يسأل عن نعيمه الذي كان فيه في الدنيا هل ناله من حلاله ووجهه أم لا ؟
فإذا تخلص من هذا السؤال سئل سؤالا آخر هل شكر الله تعالى عليه فاستعان به على
طاعته أم لا ؟ فالأول سؤال عن سبب استخراجه والثاني عن محل صرفه " انتهى من "عدة
الصابرين" (ص 157) .
ثالثا :
الحساب يوم القيامة نوعان :
النوع الأول :
حساب عرض ، وهذا يخص المؤمن ، يُسأل عن عمله وعلمه ونعمة الله التي منّ بها عليه ،
فيجيب بما يشرح صدره ويثبت حجته ويديم نعمة الله عليه .
وإذا عرضت عليه ذنوبه أقر بها فيسترها الله عليه ويتجاوز عنه .
فهذا لا يناقش الحساب ولا يدقق عليه ولا يحقق معه ، ويأخذ كتابه بيمينه ، وينقلب
إلى أهله في الجنة مسرورا ؛ لأنه نجا من العذاب وفاز بالثواب .
روى البخاري (6536) ومسلم (2876) عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ ) قَالَتْ قُلْتُ
أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : ( فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ) ؟
قَالَ ( ذَلِكِ الْعَرْضُ ) .
قال الحافظ رحمه الله : " قَالَ الْقُرْطُبِيّ : مَعْنَى قَوْله " إِنَّمَا ذَلِك
الْعَرْضُ " أَنَّ الْحِسَابَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ أَنْ
تُعْرَضَ أَعْمَالُ الْمُؤْمِنِ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْرِفَ مِنَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِ
فِي سَتْرِهَا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَفِي عَفْوِهِ عَنْهَا فِي الْآخِرَةِ "
انتهى .
وروى أحمد (24988) عن عَائِشَةَ قالت : " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحِسَابِ الْيَسِيرِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا
الْحِسَابُ الْيَسِيرُ ؟ فَقَالَ : ( الرَّجُلُ تُعْرَضُ عَلَيْهِ ذُنُوبُهُ ثُمَّ
يُتَجَاوَزُ لَهُ عَنْهَا إِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ ) . صححه
الألباني في "ظلال الجنة" (2/128) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" المؤمن يحاسب ولكنه ليس حساب مناقشة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نوقش
الحساب هلك -أو قال- عذب) لكنه حساب عرض " انتهى من "اللقاء الشهري" (1 /378) .
وقد روى البخاري (2441)
ومسلم (2768) عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي
الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ
كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ . حَتَّى إِذَا
قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ : سَتَرْتُهَا
عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ . فَيُعْطَى كِتَابَ
حَسَنَاتِهِ . وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ
هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى
الظَّالِمِينَ )
النوع الثاني :
حساب مناقشة ، وهذا حساب الله للكفار ، ومن شاء من عصاة الموحدين ، وقد يطول حسابهم
ويعسر بحسب كثرة ذنوبهم . وهؤلاء العصاة من الموحدين يدخل الله منهم النار من شاء
إلى أمد ، ثم يخرجهم فيدخلهم الجنة إلى أبد .
روى مسلم (2968) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ :
هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ : ( هَلْ تُضَارُّونَ فِي
رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِي سَحَابَةٍ )؟ قَالُوا لَا قَالَ
: ( فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِي
سَحَابَةٍ )؟ قَالُوا لَا قَالَ : ( فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تُضَارُّونَ
فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا )
،قَالَ ( فَيَلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ أَيْ فُلْ أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ
وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ
وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ بَلَى قَالَ فَيَقُولُ أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟
فَيَقُولُ : لَا فَيَقُولُ فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ، ثُمَّ يَلْقَى
الثَّانِيَ فَيَقُولُ أَيْ فُلْ أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ
وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ
: بَلَى أَيْ رَبِّ فَيَقُولُ أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ ؟ فَيَقُولُ لَا
فَيَقُولُ فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ، ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ
فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ
وَبِرُسُلِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا
اسْتَطَاعَ ، فَيَقُولُ هَاهُنَا إِذًا قَالَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: الْآنَ نَبْعَثُ
شَاهِدَنَا عَلَيْكَ ، وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ
عَلَيَّ؟ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ
انْطِقِي ، فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ وَذَلِكَ
لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللَّهُ
عَلَيْهِ ) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله:
" اختلف العلماء رحمهم الله في قوله: ( لتسألن يومئذ عن النعيم ) هل المراد الكافر،
أو المراد المؤمن والكافر؟ والصواب: أن المراد به المؤمن والكافر، كل يسأل عن
النعيم، لكن الكافر يسأل سؤال توبيخ وتقريع ، والمؤمن يسأل سؤال تذكير... سؤال
المؤمن سؤال تذكير بنعمة الله عز وجل عليه ، حتى يفرح ويعلم أن الذي أنعم عليه في
الدنيا ، تكرم عليهم بنعمته في الآخرة، أما الكافر فإنه سؤال توبيخ وتنبيه " انتهى
، باختصار من "لقاء الباب المفتوح" (98 /9) .
راجع لمعرفة المزيد إجابة
السؤال رقم (52887)
، (138650)
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |