عنوان الفتوى : سعة مفهوم العلم في الإسلام
أدرس ولي 16 عشر سنة ومشكلتي أنني لا أعرف أهذه الدراسة تزيد من درجاتي أو تنقص، كما أنني لا أجد نية لما أفعله وأشعر بالبعد عن الله، كما أن لي توجها علميا، فهل يجب علي أن أقوم بتوجه شرعي ليحل المشاكل؟ وشكرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا في حرصك على طلب العلم, وهذا باب عظيم من أبواب الخير, وورد في فضله كثير من نصوص الكتاب والسنة, وراجع في ذلك الفتويين رقم: 130017، ورقم: 130606.
ومفهوم العلم في الإسلام واسع يشمل كل علم ينتفع به المسلم في نفسه أو ينفع به المسلمين ولو لم يكن من العلوم الدينية المحضة، لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: وذكر منها علم ينتفع به. الحديث وهو في صحيح مسلم.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علما. رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد وصححه الألباني.
قال الصنعاني في سبل السلام: إسناده حسن، فيه أنه لا يطلب من العلم إلا النافع، والنافع ما يتعلق بأمر الدين والدنيا فيما يعود فيها على نفع الدين. اهـ.
فدل هذا على أن كل علم مباح يفيد الإنسان في نفسه أو يفيد المسلمين من ورائه، فهو مرغب في تعلمه، مأجور عليه ـ إن شاء الله تعالى ـ وهو مما يرجى أن يرفع الله به درجات عبده، وأفضل العلوم وأولاها بالتقديم هو العلم المفروض تعلمه على كل مسلم وهو علم فروض الأعيان، كمعرفة الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته إجمالاً، ومعرفة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وتعلم الوضوء والغسل والصلاة وغير ذلك من الطاعات عند ما يطلب من العبد فعلها، فهذا العلم ميراث الأنبياء، وقد ثبت في فضله قوله صلى الله عليه وسلم: من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما, وإنما ورثوا العلم, فمن أخذه أخذ بحظ وافر. رواه أحمد وابن حبان عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ وصححه الألباني.
وقال ابن حجر: وقوله عز وجل: رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا {طه: 114} واضح الدلالة في فضل العلم، لأن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم، والمراد بالعلم العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته، والعلم بالله وصفاته وما يجب له من القيام بأمره وتنزيهه عن النقائص ومدار ذلك على التفسير والحديث والفقه. اهـ.
وقال الصنعاني في سبل السلام عند قوله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ـ مفهوم الشرط أن من لم يتفقه في الدين لم يرد الله به خيرا، وفي الحديث دليل ظاهر على شرف الفقه في الدين والمتفقهين فيه على سائر العلوم والعلماء، والمراد به معرفة الكتاب والسنة. اهـ.
وأما العلوم الأخرى التي ينتفع بها الناس في أمورهم الدنيوية فتعلمها من الفروض الكفائية التي يؤجر من قام بها، فإن قصد المتعلم لتلك العلوم إرضاء الله وابتغاء وجهه فيما يقوم به، فإنه يؤجر على ذلك ـ إن شاء الله ـ وقد سبق أن بينا أن العلوم الدنيوية التي يحتاجها الناس لمصالحهم ومعايشهم كعلم الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء والمعلوماتية يعتبر تعلمها عبادة إذا قصد بها نصرة الإسلام ونفع المسلمين وهي من فروض الكفايات التي يجب أن يتخصص فيها بعض المسلمين، لأنها إذا تركت بالكلية تضيع مصالح الناس ويقعون في ضرر ومشقة، وقد نص الإمام النووي في المجموع على أن تعلم العلوم الدنيوية من فروض الكفايات.
وقال ابن القيم في الطرق الحكمية: ومن ذلك أن يحتاج الناس إلى صناعة طائفة كالفلاحة والنساجة والبناء وغير ذلك، فلولي الأمر أن يلزمهم بذلك بأجرة مثلهم، فإنه لا تتم مصلحة الناس إلا بذلك، ولهذا قالت طائفة من أصحاب أحمد والشافعي أن تعلم هذه الصناعات فرض على الكفاية لحاجة الناس إليها. اهـ.
وقد بينا ذلك في عدة فتاوى نرجو أن تطلع عليها، وهي تحت رقم: 65459، ورقم: 72130.
وعلى كل حال، لا ينبغي لك أن تترك طلب العلم أو غير ذلك من الأعمال الصالحة بدعوى عدم النية أو خشية الرياء، فقد قال أحد السلف: العمل للناس شرك، وترك العمل لذلك رياء، والإخلاص أن يعافيك الله منهما.
وقال بعضهم: تعلمنا العلم لغير الله فأبى العلم أن يكون إلا لله.
واحرص على استحضار النية وإخلاصها في كل أعمالك، ومما يعينك على الإخلاص استحضار ما أعد الله من الثواب لطالب العلم.
والله أعلم.