عنوان الفتوى : توضيح حول حديث (تغزون جزيرة العرب..)

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

بسم الله والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين شفيعنا يوم الدين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد. في موقعكم توجد محاضرة للشيخ محمد حسان - حفظه الله - بعنوان: [ اقترب ظهور المهدي ] . ومما جاء فيها [ المعركة الأولى: غزو جزيرة العرب. المعركة الثانية: غزو بلاد فارس. المعركة الثالثة: غزو بلاد الروم أي: أوروبا وأمريكا. ومن غزو بلاد الروم: فتح القسطنطينية. المعركة الرابعة: قتال اليهود، والنصر عليهم. المعركة الخامسة: قتال الترك، أي: الصين وروسيا واليابان ومنغوليا إلى آخر هذه الشعوب. لو تصورت بعد هذا العرض السريع للملاحم والمعارك التي سيخوضها المهدي -كما ذكرت- يتبين لك أن العالم كله سيقاتل المهدي عليه السلام، وتدبر معي كلام الصادق المصدوق في الجملة! وسأفصل بعد ذلك إن شاء الله تعالى: يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، الذي ارتقى يوماً المنبر فوصف لأصحابه ما سيكون إلى قيام الساعة، ومما ذكره عليه الصلاة والسلام في الملاحم التي سيقود كتائب المسلمين فيها المهدي عليه السلام ما روى مسلم وأحمد وابن ماجه وغيرهم من حديث نافع بن عتبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم تغزون فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله). إذاً: المعركة الأولى: فتح بلاد العرب، ثم فتح بلاد فارس ] . فأرجو منكم شرح هذا الحديث وكيف تفتح بلاد فارس ؟ وما هي حدودها ؟ وما معنى فتحها ؟ ومعنى الفتح ؟ وهل لو قامت حرب قبل ظهور المهدي لها علاقة بهذا الأمر سواء كانت لتمهيد أمر الفتح أو لا علاقة لها فأود ذكرها . ثم ما هي واجبات المسلم من كل ذلك ؟ وجزاكم الله خيراً .

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فحديث نافع بن عتبة الذي يسأل عنه الأخ السائل، وما نقله عن الشيخ محمد حسان  من تنزيله على الحروب التي يخوضها المهدي المنتظر، قد سبقه إلى ذلك صاحب كتاب (عُمر أمة الإسلام).
وهذا الأمر لا يسلم من اعتراض ومعارضة؛ إذ ليس هناك ما يدل صراحة على أن تلك الفتوح تكون على يدي المهدي، والأقرب أن يفسر ذلك أو بعضه بما حدث بالفعل في عهد الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن جزيرة العرب لم يتم فتح جميعها ويستقر إلا بعد حروب الردة في عهد الصديق.

قال القاري في (مرقاة المفاتيح): " تغزون " أي: بعدي " جزيرة العرب " وقد سبق تفسيرها وتحريرها وتقريرها، ومجمله على ما حكي عن مالك: مكة والمدينة واليمامة واليمن. فالمعنى: بقية الجزيرة أو جميعها، بحيث لا يترك كافر فيها. اهـ.
وقد بوب ابن حبان في صحيحه على حديث نافع باب: (ذكر البيان بأن أول فتح يكون للمسلمين بعده: فتح جزيرة العرب). وبوب عليه الشيخ حمود التويجري في (إتحاف الجماعة) باب: (ما جاء في قتال أهل الردة وفارس والروم وظهور المسلمين عليهم). وقال الشوكاني في (إرشاد الثقات) تعليقا عن هذا الحديث: وقعت الثلاث كلمات الأول، وستقع الرابعة إن شاء الله. اهـ.
يعني بالرابعة الدجال. وهذا معناه أن فتح الجزيرة وفارس والروم قد وقع بالفعل.
وعلق الشيخ سلمان العودة على هذا الحديث فقال: إذن المسألة بالترتيب أربعة أشياء، يا أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام هكذا ذكر لكم نبيكم عليه الصلاة والسلام عملكم: أولاً: تغزون - والخطاب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- جزيرة العرب، وهكذا كان، فإنهم غزوا الجزيرة حتى لم يمت النبي عليه الصلاة والسلام إلا ومعظم الجزيرة خاضع لحكم الإسلام، وجاءته الوفود من كل مكان ففتحها الله. بعد ذلك انتقلوا إلى بلاد فارس، فغزوها ففتحها الله. ثم انتقلوا إلى بلاد الروم، ولا زالت الحروب مع الروم ومع بلاد الروم. ثم بعد ذلك الدجال وهو في آخر الزمان. اهـ.
وقال الشيخ سفر الحوالي: وبهذا الترتيب نجد أن الذي وقع فعلاً هو ذلك، فجزيرة العرب فتحت في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانتهى أمرها، وثبتت في أيام أبي بكر بعد القضاء على المرتدين، وظلت وستظل بإذن الله قاعدة للدين الإسلامي {لا يجتمع فيها دينان} كما أخبر بذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .... {ثم تفتح فارس} وقد فتحت فارس فتحاً كاملاً، اجتاح المسلمون ملك كسرى إلى أن وصلوا إلى حدود الصين، فكسرى مزق كتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يمزق ملكه، فمزق الله ملكه ولم يبق منه شيء، وهرقل احترم كتاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. فبقي له جزء من الامبراطورية الغربية بعد أن تقدم المسلمون إلى بلاد الشام و إلى أن حاصروا القسطنطينية في أيام معاوية بن أبي سفيان، ثم من بعده رضي الله عنهم. {ثم تفتح الروم} والفتح الحقيقي للروم كما يظهر من الحديث -لأنه قال {ثم الدجال} يكون إذا فتحت المدينة الأخرى وهي مدينة روما. اهـ.
وكتاب (عمر أمة الإسلام) قد تناوله كثير من أهل العلم وطلبته بالنقد، ومن ذلك كتاب: (الرد الأمين على كُتب عُمر أُمّة الإسلام وردّ السهام والقول المبين) وفيه: إن كلام النبى صلى الله عليه وسلم يخبرنا بما سيقع فى المستقبل، ولم يحدد لنا صلى الله عليه وسلم زمناً معيناً لذلك، والأقرب أن نقول: (تغزون جزيرة العرب): انتشار الإسلام فى الجزيرة على يد الصحابة، وحروب الردة. (تغزون الروم): معارك اليرموك وغيرها. (تغزون فارس): معارك القادسية وغيرها. قتال (خوزاً وكرمان): هو الفتح الإسلامى الأول لهذه البلاد. ومن الجدير بالذكر هنا أن المؤلف (أمين) عند العلامة 61 وهى فتح بيت المقدس قد ذكر أن ذلك كان فى عهد عمر بن الخطاب. فما الفرق بين هذا وذاك؟!! ثم ما هى العلاقة بين اليابان وبين خوز وكرمان؟ فإن خوز هي: خوزستان، من مشارق خراسان إلى مغارب الصين. قال الحافظ فى الفتح 6 / 703: (خوز: من بلاد الأهواز وهى من عراق العجم) . وقال ياقوت الحموى فى معجم البلدان (2 / 404) (خوز: هم أهل خوزستان ونواحى الأهواز بين فارس والبصرة وواسط وجبال اللور المجاورة لأصبهان. والخوزيون: محلة بأصبهان، خوزستان: اسم لجميع بلاد الخوز). وأما كرمان: فقال الحافظ فى الفتح (6 / 703) : (بلدة مشهورة من بلاد العجم أيضاً بين خراسان وبحر الهند) . وقال ياقوت الحموى (4/ 454) (كرمان: ناحية معمورة ذات بلاد وقرى ومدن واسعة بين فارس ومكران وسجستان وخراسان، فشرقيها مكران وغربيها أرض فارس وشماليها مفازة خراسان وجنوبيها بحر فارس. وأمّا فَتْحُها فإن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ولى عثمان بن العاص البحرين فعبر البحر إلى أرض فارس ففتحها ولقى مرزبان كرمان فى جزيرة بركاوان فقتله فوهى أمر كرمان. وكرمان أيضاً: مدينة بين غزنة وبلاد الهند) اهـ. 

وأما (فارس) فقال عنها الحموي في (معجم البلدان): ولاية واسعة وإقليم فسيح، أول حدودها من جهة العراق: أرّجان، ومن جهة كرمان: السّيرجان، ومن جهة ساحل بحر الهند: سيراف، ومن جهة السند: مكران ... وكانت أرض فارس قديما قبل الإسلام ما بين نهر بلخ إلى منقطع أذربيجان وأرمينية الفارسية إلى الفرات إلى برّية العرب إلى عمان ومكران وإلى كابل وطخارستان ... وأما فتح فارس فكان بدؤه أن العلاء الحضرمي عامل أبي بكر ثم عامل عمر على البحرين وجّه عرفجة بن هرثمة البارقي في البحر فعبره إلى أرض فارس ففتح جزيرة مما يلي فارس، فأنكر عمر ذلك لأنه لم يستأذنه وقال: غررت المسلمين. وأمره أن يلحق بسعد بن أبي وقاص بالكوفة .. اهـ.
وهنا يحسن أن ننبه على أنه لا يصح تفسير النصوص الشرعية الواردة في الفتن وأشراط الساعة بالواقع والأشخاص دون بينة وبرهان. والله تعالى لم يكلف عباده بالتطلع إلى أشراط الساعة والبحث عنها. وإنما عليهم أن يؤمنوا بما ثبت من ذلك في الكتاب أو السنة، كما سبق وأن نبهنا عليه في الفتوى رقم: 11047.
والذي ننصح به السائل الكريم وعموم الباحثين في مثل هذه الأمور أن يراجعوا كتاب الشيخ / محمد بن إسماعيل المقدم: (المهدي وفقه أشراط الساعة) خاصة فصل: (ظاهرة العبث بأشراط الساعة). وفصل: (ضوابط التعامل مع الفتن وأشراط الساعة).
وقد سبق لنا بيان عقيدة أهل السنة في المهدي، وأدلة خروجه وصفته وخلاصة ما ورد في كتب السنة عنه، وذلك في الفتويين: 6573، 64661.
والله أعلم.