عنوان الفتوى : حكم صرف مال الوقف لغير الجهة التي حددها الواقف
أرجو التفضل بإجابتي على هذين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز صرف أموال الزكاة في بناء المساجد، لأن للزكاة مصارف محددة، وليس بناء المساجد منها كما سبق بيانه في الفتوى رقم :140864، وسواء في ذلك إنشاؤها أو تكملتها، وانظر الفتوى رقم :134623 .
هذا عن السؤال الأول، أما عن السؤال الثاني فإذا كانت الأموال المتبرع بها خاصة بالمسجد، فلا يجوز صرفها في غيره لأن الأصل أن أموال الوقف لا تصرف إلا للجهة التي حددها الواقف، وهذا هو الذي عليه علماء المالكية والشافعية وغيرهم.
قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الكبرى: إن قصد الواقف يراعى بحيث إذا حدد طريقة صرف الوقف فإن ذلك يعتبر، أو عرف مقصده بأن جرت العادة في زمنه بأشياء مخصوصة، فينزل عليها لفظ الواقف. اهـ
ويرى بعض العلماء منهم شيخ الإسلام ابن تيمية جواز صرف الوقف في ما هو أكثر مصلحة ولو خالف شرط الواقف. وعليه.. فإن فضل بعض المال عن بناء المسجد، فالظاهر أنه لا مانع من صرفه في ملحقاته مثل مسكن الإمام ، إذا كان ذلك من مصلحة المسجد؛ بل قد يكون ذلك هو الأولى.
قال مصطفى الرحيباني الحنبلي في مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى: قال الشيخ تقي الدين: يجوز تغيير شرط واقف لما هو أصلح منه، فلو وقف على فقهاء أو صوفية واحتيج للجهاد صرف للجند. اهـ.
وفيه أيضا: سئل الشيخ تقي الدين: فيمن بنى مسجداً لله، وأراد غيره أن يبني فوقه بيتاً وقفا له، إما لينتفع بأجرته في المسجد، أو ليسكنه لإمامه، ويرون ذلك مصلحة للإمام أو للمسجد، فهل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب: بأنه إذا كان مصلحة للمسجد، بحيث يكون ذلك أعون على ما شرعه الله ورسوله فيه من الإمامه والجماعة، وغير ذلك مما شرع في المساجد، فإنه ينبغي فعله، كما نص على ذلك ونحوه غير واحد من الأئمة. حتى سئل الإمام أحمد عن مسجد لاصق بالأرض فأرادوا أن يرفعوه، ويبنوا تحته سقاية، وهناك شيوخ فقالوا: نحن لا نستطيع الصعود إليه؟ فقال أحمد: ينظر ما أجمع عليه أكثرهم. ولعل ذلك أن تغيير صورة المسجد وغيره من الوقف لمصلحة راجحة جائز، إذ ليس في المساجد ما هو معين بذاته، إلا البيت المعمور، وإلا المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، إذ هي من بناء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فكانت كالمنصوص عليه، بخلاف المساجد التي بناها غيرهم، فإن الأمر فيها يتبع المصلحة، ولكن المصلحة تختلف باختلاف الأعصار والأمصار. انتهى .
ولعل هذا المذهب الأخير هو الراجح -إن شاء الله- لموافقته لغرض الواقف غالبا وهو قصد كثرة الثواب، فكلما عظمت المصلحة كان ذلك أقرب إلى قصده.
وانظر الفتوى رقم : 6313، والفتوى رقم : 129509
والله أعلم.