عنوان الفتوى : كيف يلهمنا الله الخير؟
هل معنى قوله تعالى: و ما يذكرون إلا أن يشاء الله ـ أن فعل العبد يكون بعد مشيئة الله؟ وهل يتحكم الله عز وجل في أفكارنا ومشاعرنا وخواطرنا ومحبتنا من غير أن نشعر؟ وكيف يلهمنا الله الخير؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وبعد فقد قدمنا معنى الآية في جواب سؤالك رقم: 163035
ولا شك أن عملنا ومشيئتنا وأفكارنا ومشاعرنا وخواطرنا ومحبتنا من خلق الله وهو يتحكم في جميع ذلك من دون شعور منا، قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ {الإنسان: من الآية:30}. وقال: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ { الصافات:96}.
وفي الحديث: إن الله خالق كل صانع وصنعته. رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي والألباني.
وروى أبو نعيم في الحلية عن أحمد بن يونس قال: سئل سفيان الثوري بم عرفت ربك؟ قال: بفسخ العزم ونقض الهمة.
ونقل الأصبهاني في العظمة عن أحمد بن أبي الحواري ـ رحمه ـ الله قال: التقى حكيمان من الحكماء، فقال أحدهما لصاحبه: بم عرفت ربك؟ قال: بفسخ العزم ومنع الهم لما عزمت، فأزالني القدر وهممت فحال بيني وبين همي، فعلمت أن المستولي على قلبي غيري، قال: فبم عرفت الشكر؟ قال: بكشف البلوى لما رأيته مصروفاً عني موجوداً في غيري شكرته على ذلك، قال: فبم أحببت لقاءه؟ قال: بأصل التخيير وانتفاء التهمة قال: فما أصل التخيير وانتفاء التهمة؟ قال: لما اختار لي تبارك وتعالى دين الأنبياء والملائكة أحسنت به الظن ونفيت عنه التهمة، وعلمت أن الذي اختار لي هذا لا يسيء إلي فأحببت لقاءه. انتهى.
قال صاحب النوادر: فالآدمي يفكر ويدبر ويعزم، وتدبير الله تعالى من ورائه بإبطال ذلك، وتكون تلك الأمور على غير ما فكر ودبر. اهـ.
وعلى المسلم أن يعلم بأن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، وأن يعلم أن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علماً، وأنه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، وأن كل ما يجري في هذا الكون هو بمشيئة الله تعالى فلا يخرج شيء عن إرادته ومشيئته، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الناس لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، وإن اجتمعوا على أن يضروه لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، وراجع شفاء العليل لابن القيم.
وأما عن سؤالك: كيف يلهمنا الله الخير؟ فجوابه أن العبد يستعين بالله ويحرص على الطاعات وسؤال الهداية والتوفيق في أموره، وبذلك يلهمه الله الخير ويهديه للصواب ـ إن شاء الله ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: إذا أراد الله بعبد خيراً ألهمه دعاءه والاستعانة به، وجعل استعانته ودعاءه سبباً للخير الذي قضاه له، كما قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه: إني لا أحمل هم الإجابة، وإنما أحمل هم الدعاء فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه ـ كما أن الله تعالى إذا أراد أن يشبع عبدا أو يرويه ألهمه أن يأكل أو يشرب، وإذا أراد الله أن يتوب على عبد ألهمه أن يتوب فيتوب عليه، وإذا أراد أن يرحمه ويدخله الجنة يسره لعمل أهل الجنة، والمشيئة الإلهية اقتضت وجود هذه الخيرات بأسبابها المقدرة لها، كما اقتضت وجود دخول الجنة بالعمل الصالح، ووجود الولد بالوطء، والعلم بالتعليم، فمبدأ الأمور من الله، وتمامها على الله. اهـ.
وقال ابن القيم في الفوائد: إذا كان كل خير أصله التوفيق، وهو بيد الله لا بيد العبد، فمفتاحه الدعاء والافتقار وصدق اللجأ والرغبة والرهبة إليه، فمتى أعطي العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يفتح له، ومتى أضلّه عن المفتاح بقي باب الخير مرتجا دونه. اهـ.
وقال في عدة الصابرين: من أعطي منشور الدعاء أعطي الإجابة، فإنه لو لم يرد إجابته لما ألهمه الدعاء، كما قيل: لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه من جود كفك ما عودتني الطلبا. اهـ.
وقال في الجواب الكافي: من ألهم الدعاء فقد أريد به الإجابة، فإن الله سبحانه يقول: ادعوني أستجب لكم ـ وقال: وإذا سألك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان. اهـ.
والله أعلم.