عنوان الفتوى : الكفارة لا تجب إلا في الفطر بالجماع
بحلول شهر رمضان المبارك أود أن أسأل حضراتكم عن أمر يتعلق بالتبرع لفائدة اليتامى والمساكين والفقراء والأرامل وغيرهم من ذوي الحاجات والاحتياجات الخاصة، ومنهم من ذوي الحركات المحدودة كالمعاقين، إذ إن في بلدنا مؤسسة خيرية تتكلف لتوفير الرعاية اللازمة لهم من أكل وشرب ولباس وغير ذلك، وهذه المؤسسة حكومية تشرف عليها وزارة المرأة والأسرة، وتتلقى بعض التبرعات والنفقات من أهل الخير من بلدنا، وكذلك من بعض الشركات ورجال الأعمال المساهمين فيها، والمنخرطين معها في تخصيص مبالغ مالية تتفق مع حاجيات هؤلاء من أكل ولباس ودواء وشرب ولوازم مدرسية وغير ذلك، وقد نظرت إلى نفسي من حيث إن علي دينا أمام الله يجب أن أقضيه قبل أن تأتيني المنية وإلا هلكت ومت دون أن أقضيه، وسوف أسأل عنه يوم القيامة ما دام هو حق الله، فيجب أن يقضى، وهذا الدين هو أنه قد تخلد لدي بعض أيام من رمضان يجب أن أكفرها عن نفسي حتى لا أسأل عنها، وحتى يتسنى لي ذلك أود أن أبتدئ الأمر بصلاة الاستخارة لأعاهد الله على أن أكفر عن هذه الأيام التي مضت ولا أحصي عددها بالتحديد ولكن أنوي ـ إن شاء الله ـ أن أقضي كل أيام رمضان مع العلم أن عدد الأيام لا يمكن أن أتذكره ولا يمكن أن يكون 30 يوما من رمضان ولكن أقدر أن تكون كل أيام رمضان كأقصى ما يكون من عددها ولا تتجاوز ذلك، ولكن الله أعلم بعددها وهكذا تصير كفارتي إما صيام 60 يوما عن كل يوم أفطرته لا أقول عمدا ولا بنية الاستهزاء بالدين، ولكن بسبب عدم المعرفة الصحيحة بتوقيت الإمساك والإفطار يوم كنت مقيما في بلد الغربة من إحدى بلدان الاتحاد السوفياتي سابقا لغرض الدراسة، وعدم معرفة توقيت الإمساك والإفطار جعلني أشك في صحة صومي حتى انتهى الأمر أني شككت في بعض أيام دون أخرى ولهذا أنا مطالب أن أكفر عن هذه الأيام والتي لا أعلم عددها ولكن أقدر أن تكون كأقصى ما يكون من عدد أيام رمضان التي هي 30 يوما فيكون الحاصل أن الكفارة عن كل يوم بأن أصوم 60 يوما ليكون الحاصل 1800 يوما، وأنا لا أقدر على صيام 1800 يوما بمثل هذا العدد الذي يبلغ قرابة 5 سنين صوما في كل عام يجب علي صيام كل الأيام والأشهر حتى أبلغ بصيام مثل هذا العدد فالتجأت إلى ضرورة إطعام 1800 مسكين أو يتيم أو فقير، ولهذا نظرت إلى ضرورة تقديم بعض المساهمات والإعانات إلى هذه المؤسسة الخيرية لتكفير ما فرطت في حق الله من صيام أيام رمضان التي أفطرت فيها. مع العلم أنني أؤكد أنني لم أفطر فيها عمدا ولا استهزاء بالدين ولكن وجودي في بلد الكفر لا يعرف فيه أذان ولا أجد فيه من الصحبة والرفقة الصالحة ما يدلوني على أوقات الصيام الخاصة بهذا البلد بقيت في حيرة حتى رجعت إلى بلدي الأصلي، سؤالي هو: هل تجوز الكفارة عن أيام أفطرتها من رمضان سهوا وليس عمدا ولا استهزاء بالدين وتقديم هذه الكفارة إلى المؤسسة التي وصفتها لحضارتكم؟ الرجاء أن تدلوني على كيفية قضاء هذا الدين الذي هو حق الله علي قبل أن يفوت الأوان خصوصا وأنني إلى الآن لم أقدر على قضاء ولا تكفير هذه الأيام بعد أن مضت عدة سنوات على تلك التجربة في بلاد الغربة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا أن الكفارة لا تجب إلا في الفطر بالجماع على الراجح من قولي العلماء، وأما الفطر بغير الجماع فلا يجب فيه إلا القضاء، وانظر الفتوى رقم: 111609.
ثم إن كنت قد تحريت وفعلت ما تقدر عليه في معرفة وقت الإمساك والإفطار فقد فعلت ما وجب عليك، فإن كنت حين أمسكت عن الطعام تشك أو يغلب على ظنك بقاء الليل ثم لم يتبين لك طلوع الفجر فلا شيء عليك، وإن كنت حين أفطرت يغلب على ظنك زوال النهار ثم لم يتبين لك بقاؤه فلا شيء عليك وعبادتك صحيحة لا يضرك شكك فيها بعد تمامها، وانظر الفتوى رقم: 120064.
وأما إن كنت أكلت ظانا بقاء الليل ثم تبين لك أن الفجر كان قد طلع أو أكلت ظانا غروب الشمس ثم تبين لك أنها لم تكن غربت ففي لزوم القضاء لك خلاف بين العلماء، والقول بعدم لزومه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ومذهب الجمهور لزوم القضاء وهو أحوط، وكذا إن كنت أكلت شاكا في غروب الشمس ولم تكن عندك غلبة ظن أنها قد غربت فالقضاء لازم لك، وهذه الأحكام التي أجملناها هنا قد فصلناها في فتاوى كثيرة، وراجع الفتويين رقم: 140735، ورقم: 114527.
وإذا علمت ما مر فحيث وجب عليك القضاء فإنك تتحرى عدد الأيام التي يلزمك قضاؤها فتقضيها، ولا يلزمك شيء سوى القضاء، ولا يلزمك سوى العمل بالتحري وغلبة الظن، لأن هذا هو ما تقدر عليه، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وانظر الفتوى رقم: 70806.
وإنما تلزمك الفدية إن كنت أخرت القضاء الواجب عليك عمدا مع العلم بحرمة التأخير، فيلزمك إطعام مسكين عن كل يوم أخرت قضاءه، وأما إن كنت جاهلا بحرمة التأخير فلا فدية عليك، وانظر الفتوى رقم: 123312. وحيث وجبت عليك الفدية فلا يجوز إخراجها قيمة، وهذا مذهب أكثر أهل العلم وإنما يجب إخراجها طعاما للمستحقين، وانظر الفتوى رقم: 28409، لبيان مقدار الفدية الواجبة.
والله أعلم.