عنوان الفتوى : هل يجوز أن يدعى بـ رضي الله عنه ليزيد بن معاوية ؟
هل يجوز استخدام عبارة " رضي الله عنه " أو " عليه السلام " على " يزيد بن معاوية "، وأنا أدرك أن رأي جمهور الفقهاء هو عدم لعنه ، لكن هل أثنى أي علماء قدماء على " يزيد "، وإذا لم يقوموا بذلك ، فما مدى صحة استخدام عبارات كهذه له ؟
الحمد لله
أولا :
سبق في موقعنا ذكر اختلاف العلماء في الدعاء بـ : " عليه الصلاة والسلام "، أو "
عليه السلام " لغير الأنبياء ، فذهب بعض العلماء إلى كراهة ذلك ، وذهب آخرون إلى
الجواز ، ولكنه جواز مشروط بألا يتخذ عادة وشعارا لشخص معين غير الأنبياء ، وقد
رجحنا القول بالجواز المشروط لأدلة كثيرة ، يمكن مراجعة المسألة في الجواب رقم : (96125)
، (112074)
ثانيا :
كذلك الدعاء بـ " رضي الله عنه " لغير الصحابة الكرام رضوان الله عليهم جائز لا بأس
فيه أيضا إذا لم يلتزم عادة في اسم معين ، وذلك للأسباب الآتية :
1- أن غاية هذه الجملة " رضي الله عنه " أنها دعاء ، والدعاء بنوال رضوان الله
تعالى دعاء مشروع لا حرج فيه .
2- لم يرد في الكتاب والسنة دليل يخصص الصحابة رضوان الله عليهم بهذا الدعاء ،
والأصل بقاء المطلق على إطلاقه حتى يرد ما يقيده .
3- ما زال العلماء والفقهاء يستعملون هذا الدعاء : " رضي الله عنه " لغير الصحابة
الكرام ، من الأئمة والتابعين الذين نالوا مرتبة الإمامة في الدين ، كالأئمة
الأربعة وغيرهم ، فكتب العلماء مليئة بالترضي عنهم .
4- كما جاءت نصوص العلماء الصريحة في جواز الدعاء بالرضوان لغير الصحابة الكرام .
قال الإمام النووي رحمه الله :
" يستحب الترضي والترحم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والعباد وسائر
الأخيار ، فيقال : رضي الله عنه ، أو رحمة الله عليه ، أو رحمه الله ، ونحو ذلك .
وأما ما قاله بعض العلماء : إن قول : رضي الله عنه مخصوص بالصحابة ، ويقال في غيرهم
: رحمه الله فقط ، فليس كما قال ، ولا يوافق عليه ، بل الصحيح الذي عليه الجمهور
استحبابه ، ودلائله أكثر من أن تحصر " انتهى من " الأذكار " (ص/118)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" نحن نقول رضي الله عن كل مؤمن ، كما قال الله تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ
الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ )
لكن المعروف عند أهل العلم تخصيص الصحابة رضي الله عنهم بقولهم فيهم : رضي الله
عنهم ، وأما من بعد الصحابة من التابعين إلى زمننا هذا يقولون فيهم رحمه الله ، وإن
كان بعض العلماء قد يقول : رضي الله عنه في الأئمة الكبار ، كالإمام أحمد ، قال
الإمام أحمد رضي الله عنه ، قال الإمام الشافعي رضي الله عنه ، قال الإمام أبو
حنيفة رضي الله عنه ، قال الإمام مالك رضي الله عنه ، لكن عامة المعروف بين أهل
العلم أن الترضي يكون للصحابة ، والترحم يكون لمن بعدهم ، وإذا كان هذا هو المعروف
المصطلح عليه عند عامة العلماء ، فإن الإنسان إذا ترضى عن شخص من غير الصحابة أوهم
السامع بأن هذا الشخص من الصحابة ، فينبغي أن نتجنب ذلك ، أو أن يقول قال فلان وهو
من التابعين رضي الله عنه ، قال فلان وهو من تابعي التابعين رضي الله عنه ، حتى لا
يظن أحد أن هذا من الصحابة " انتهى من " فتاوى نور على الدرب "
http://www.ibnothaimeen.com/all/noorhttps://islamqa.info/article_8037.shtml
ثالثا :
يتبين مما سبق أن الدعاء بـ " عليه السلام " يجوز لغير الأنبياء أحيانا وليس على
سبيل العادة والشعار ، وأن الدعاء بـ " رضي الله عنه " يجوز لغير الصحابة أيضا .
لكن هذا الجواز أيضا مشروط بأمرين :
الشرط الأول : أن يكون المدعو له بالسلام أو بالرضوان من الأولياء الصالحين ، أو من
الأئمة المتقين ، أو من عباد الله الزاهدين الورعين ، ممن اشتهر في الأمة ديانتهم
ومكانتهم وإمامتهم ، لذلك جاء في كلام الإمام النووي السابق : " يستحب الترضي على
الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والعباد وسائر الأخيار ".
الشرط الثاني : أن لا يتخذ هذا الدعاء : " عليه السلام " ، أو " رضي الله عنه "
سبيلا للتعصب الأعمى لإمام معين أو شخص معين ، يقصد به تفضيله على سائر الأئمة
والناس ، فيتخذ هذا الدعاء سبيلا لتفرقة الأمة كما وقع لدى بعض الفرق .
رابعا :
أما يزيد بن معاوية ، فقد سبق الحديث عنه في الجواب رقم : (14007)،
حيث يتبين لمن يقرأ ذلك الجواب ، ومن يطالع أقوال العلماء فيه أنه لم يكن من
الأولياء الصالحين ، ولا العلماء المتقين ، بل نص كثير من أهل العلم على اشتهاره
بالمساوئ والقبائح ، وبالغ بعض العلماء إلى حد التأليف في جواز لعنه وثلبه ، كأبي
يعلى وابن الجوزي والسيوطي ، ورغم أن الذي ذهب إليه المحققون من العلماء تجنب السب
واللعن ، لأن له محاسن وفضائل أيضا ، كما أنه له مساوئ مشهورة كثيرة ؛ ولكن ذلك لا
يعني التغاضي عما امتلأت به كتب التاريخ بالروايات المسندة التي تشتمل على فظائع
ارتكبها يزيد بن معاوية ، أو على الأقل وقعت في عهده وتحت إمرته ، كقتل الحسين بن
علي رضي الله عنه ، واستباحة المدينة المنورة ، وفرض الإمارة بالسيف والظلم والقتل
والاضطهاد .
يقول الإمام الذهبي رحمه الله :
" كان قويا شجاعا ، ذا رأي وحزم وفطنة وفصاحة ، وله شعر جيد ، وكان ناصبيا ، فظا ،
غليظا ، جلفا ، يتناول المسكر ، ويفعل المنكر " انتهى من " سير أعلام النبلاء "
(4/37)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" والصواب هو ما عليه الأئمة من أنه لا يخص بمحبة ولا يلعن " انتهى من " مجموع
الفتاوى " (3/413)
وبناء على ما سبق فلا نرى جواز إضافة الدعاء بـ " رضي الله عنه "، أو " عليه السلام " لاسم يزيد بن معاوية ، ففي ذلك تزكية لا يستحقها فيما يظهر لنا ، والله يتولى السرائر .
وللتوسع في قصة يزيد بن معاوية والمداولات التاريخية
في عهده وأثرها في الكلام على شخصه ، يمكن مراجعة رسالة علمية بعنوان : " مواقف
المعارضة في عهد يزيد بن معاوية " للدكتور محمد بن عبد الهادي الشيباني ، أجيزت في
الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ، بإشراف الدكتور أكرم العمري ، وأخص من هذه
الرسالة المبحث الخامس بعنوان : يزيد بن معاوية والاتهامات (ص/701-731)
والله أعلم .