عنوان الفتوى : يطلب الجماع ولا يحسن عشرتها فهل لها أن تمتنع منه

مدة قراءة السؤال : 4 دقائق

أنا متزوجة ، وعندي طفلين ، وبفضل الله ملتزمة ، ولا أزكي نفسي على الله ، وكذلك زوجي ، وكان زواجنا عن حب ، وقد التزمنا بعد الزواج بعامين تقريبا ، ونندم على أسلوب تعارفنا الآن . وأرجو أن يتسع صدركم لشرحي للوضع الحالي : تحدث بيننا مشاكل صغيرة وكثيرة ، وفي جميع الحالات سواء أنا كنت مخطئة ، أو هو دائما أنا أبدأ بالمصالحة ، وأخاف أن ينهار زواجي ، وأخاف على أولادي . ودائما يشكو علو صوتي ، وأنا أعلم أن معه حق ، وأحاول في إصلاح نفسي ، الآن بيننا مشكله ألا وهي : أولادي كانوا مرضى ، وأردت أن آخذهم للطبيب ، وكان هو في صلاة العشاء وقد تأخر والطبيب ينصرف باكرا ، فأسرعت بارتداء ملابسي وألبستهم ملابسهم وانتظرته حتى يعود لنذهب سويا ، وعندما عاد وجدنا في حالة استعداد للخروج ، فغضب غضبا شديدا لكوني أخذت قرار أني سأذهب للطبيب معه دون أن أستأذنه ، ورفض الذهاب وترجيته كثيرا ، ورفض وخرج ليحضر لهم دواء ، وأحضر دواء خطأ ثم خرج ثانية ليحضر دواء آخر ، وقد فات موعد الطبيب وظللت أبكي وفي المساء ارتفعت حرارة ابني إلى الأربعين ، وكل ذلك وهو لم يعترف بأنه أخطأ في قرار عدم ذهابه للطبيب ، وهو الآن غاضب مني ويكلمني بصيغة الأوامر فقط ، وهذا الحال منذ أكثر من أربعة أيام ، ولا يبتسم في وجهي . ومع كل ذلك يطلب مني حقه في الفراش، وأنا أعلم جيدا أن المرأة عقابها شديد إذا رفضت ، وأرجوه أن يعاملني جيدا حتى أستطيع أن أوافق على طلبه ، ولكنه يرفض وقال لي ( أريدك كالخاتم في إصبعي ) ويطلب مني أن أكون طائعة له طاعة عمياء ، ويستشهد بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن سجود المرأة لزوجها وغيرها ، وأنا أيضا أطلب منه المعاملة والمعاشرة بالمعروف ، ويكون رده : ( لا شرط في تنفيذ طلب زوجك لك في الفراش ) ، أترجاه أن يعاملني بالحسنى فيقول لي ( أنا الآن لا أضربك ولا أهينك ، وأنت لم تري المعاملة السيئة حتى الآن) . وبالفعل وافقته خوفا من لعنة الله ، وكنت أبكي أثناء الجماع ولا يحرك ذلك شعرة في رأسه ، وهو مازال على موقفه . فكان ردي الأخير : إن لم تعاملني بالمعروف فلن أستطيع تلبية رغبتك في الفراش ، يرفض ويفعل ما يريد . أنا الآن أريد أن أشتكي لوالدته وأرضى بحكمها ولكنه رفض ذلك أيضا وقال ( إن فعلت ذلك فأكون قد خرجت عن طوع زوجي وعقابي شديد عند الله ) . بالله عليكم ما حكم الشرع في ذلك ؟ هل أطيعه فيما يريد وهو يعاملني بهذا الأسلوب ، أم أرفض وهل إذا رفضت فهل سيعاقبني الله ؟ وهل أشتكي لوالدته أو والدتي ، أو والده ووالدي ، أم ماذا أفعل ؟؟ مع العلم بأنه رفض ذلك ، وأنا لا أطيق الحياة بهذا الأسلوب . وجزاكم الله خير الجزاء

مدة قراءة الإجابة : 11 دقائق


الحمد لله
أولا :
ينبغي أن يحرص الزوجان على أداء الحقوق والواجبات ، وإحسان العشرة ، وبذل الفضل والمعروف ، وحل المشكلات في جو من الود والتفاهم ، عملا بقوله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19 ، وقوله : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/228
ومما يعين على ذلك : توطين النفس على تحكيم الشرع والإذعان له عند الخلاف ، ليتبين المصيب من المخطئ ، فلو عمل الزوجان بذلك لكان خيرا عظيما ، إذ لا تخلو الحياة الزوجية من هذا الاختلاف ، فلو أعرض كل طرف عن الآخر ، وانتظر مبادرته بالصلح ، لزاد الخلاف ، وطال أمده ، ووجد الشيطان سبيله إلى إيجاد البغض والشحناء في القلب .
فالنصيحة أن تتفقي مع زوجك على تحكيم الشرع ، ومبادرة المخطئ بالاعتذار مهما كان خطؤه .
ثانيا :
إذا قصر أحد الزوجين فيما يجب عليه ، لم يجز للآخر أن يقابل التقصير بمثله ، بل عليه أن يؤدي الحق الذي أُمر به ، امتثالا لله تعالى ، وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك الخير والفلاح والعاقبة الحسنة ، فلو قصر الزوج في حق زوجته من النفقة أو الكسوة ، أو قسا عليها في المعاملة ، أو أساء إليها بالقول أو بالفعل ، لم يبح لها هذا التقصير أن تمتنع عنه إذا دعاها لفراشه ؛ لأنه أمر أوجبته الشريعة ، ورتبت عليه الوعيد الشديد ، ووقوع الزوج في إثم ، لا يسوغ للزوجة الوقوع في مثله .
روى البخاري (3237) ومسلم (1736) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ ) .
فبادري إلى طاعة زوجك ، ولا تقابلي الإساءة بالإساءة ، بل بالتي هي أحسن ، كما قال تعالى : ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) فصلت/34، 35
وينظر جواب السؤال رقم (126994)
وأما ما ذكرت من الشكوى إلى والدته ، أو والدتك ، فمع أن ذلك لا حرج عليك فيه من حيث الأصل ، فقد اشتكت هند بنت عتبة زوجها أبا سفيان رضي الله عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ بل قد ذهب عدد من النساء في شكوى أزواجهن في العشرة ؛ فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ )
رواه أبو داود (2146) وصححه الألباني .
غير أننا لا ننصحك به ، ما دمت قد اقترحت عليه ذلك ، ورفضه بشدة ، فإننا نخشى أن يعاند معك ، وأن تكون آثار ذلك السلبية أكثر مما قدرت ؛ فأخري ذلك الخيار ، وحاولي معه مرة أخرى ، بلطف ولين ، وتفاهم وتودد ؛ فإن كنت تظنين أنه يقبل أن يقرأ مشكلته هنا ، ويقبل منا النصيحة ، فأطلعيه على ذلك ، وعسى الله أن يصلح بينكما ، ويجمع بينكما على خير .
ثانيا :
يقال للزوج : اتق الله تعالى ، وأد الحق الذي عليك ، ولا تهدد ولا تتوعد .
وقد قال الله تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/228 .
قال الضحاك : إِذَا أَطَعْنَ اللَّهَ ، وَأَطَعْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْسِنَ صُحْبَتَهَا ، وَيَكُفَّ عَنْهَا أَذَاهُ ، وَيُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ سَعَتِهِ.
وقَالَ ابْنُ زَيْدٍ : يَتَّقُونَ اللَّهَ فِيهِنَّ ، كَمَا عَلَيْهِنَّ أَنَّ يتقينَ اللَّهَ فِيهِمْ .
وقال ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَقُولُ : وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ .
وقال الله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) النساء/19 .
قال الإمام ابن كثير رحمه الله :
" طيِّبُوا أقوالكم لهن، وحَسّنُوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ، وأنا خَيْرُكُم لأهْلي" . وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جَمِيل العِشْرَة ، دائم البِشْرِ، يُداعِبُ أهلَه، ويَتَلَطَّفُ بهم، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته، ويُضاحِك نساءَه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يَتَوَدَّدُ إليها بذلك. قالت: سَابَقَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَبَقْتُهُ، وذلك قبل أن أحملَ اللحم، ثم سابقته بعد ما حملتُ اللحمَ فسبقني، فقال: "هذِهِ بتلْك" ، ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها. وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كَتِفَيْه الرِّداء ، وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يَسْمُر مع أهله قليلا قبل أن ينام ، يُؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم . وقد قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21] " انتهى من "تفسير ابن كثير" (2/242) .
وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فَيَجْلِدُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ؛ فَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ !! ) رواه البخاري (4942) ومسلم (2855) .
لتعلم أنه من المستشنع في الفطرة ، ومن سوء العشرة ، أن تسيء إلى امرأتك ، ولا تعطيها حقها ، ثم أنت تطلب منها أن تعفك ، وتعطيك حقك ، مع أن الفراش حق مشترك بينكما ، وكما أنها يجب عليها أن تراعي حقك وحظك ؛ فكذلك يجب عليك أنت أن تراعي حقها وحظها ، ومن جملة ما يجب عليه من ذلك : أن يتجنب كل ما ينفرها منه ، من قول أو فعل .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وَفِي سِيَاقه اِسْتِبْعَاد وُقُوع الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْعَاقِل : أَنْ يُبَالِغ فِي ضَرْب اِمْرَأَته ، ثُمَّ يُجَامِعهَا مِنْ بَقِيَّة يَوْمه أَوْ لَيْلَته , وَالْمُجَامَعَة أَوْ الْمُضَاجَعَة إِنَّمَا تُسْتَحْسَن مَعَ مَيْل النَّفْس وَالرَّغْبَة فِي الْعِشْرَة , وَالْمَجْلُود غَالِبًا يَنْفِر مِمَّنْ جَلَدَهُ , فَوَقَعَتْ الْإِشَارَة إِلَى ذَمّ ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ وَلَا بُدّ فَلْيَكُنْ التَّأْدِيب بِالضَّرْبِ الْيَسِير ، بِحَيْثُ لَا يَحْصُل مِنْهُ النُّفُور التَّامّ فَلَا يُفْرِط فِي الضَّرْب وَلَا يُفْرِط فِي التَّأْدِيب " انتهى من "فتح الباري" (9/303) .
وليكن لك في رسول الله أسوة حسنة ، فإنه كان خير الناس لأهله صلى الله عليه وسلم ، وقد كانت زوجته تغاضبه وتهجره ، فيصبر ، ويعفو ويصفح .
قال صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ) رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468).
وروى البخاري (2468) ومسلم (1479) واللفظ له عن عمر رضي الله عنه قَالَ : " كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَوْمًا نَغْلِبُ النِّسَاءَ ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ ، قَالَ وَكَانَ مَنْزِلِي فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ بِالْعَوَالِي ، فَتَغَضَّبْتُ يَوْمًا عَلَى امْرَأَتِي ، فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي ، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي ، فَقَالَتْ : مَا تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ ؛ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُرَاجِعْنَهُ ، وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ !! فَانْطَلَقْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ ، فَقُلْتُ : أَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَتْ : نَعَمْ !! فَقُلْتُ : أَتَهْجُرُهُ إِحْدَاكُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ ؟! قَالَتْ : نَعَمْ !! قُلْتُ : قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْكُنَّ وَخَسِرَ ؛ أَفَتَأْمَنُ إِحْدَاكُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ ؟! لَا تُرَاجِعِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا تَسْأَلِيهِ شَيْئًا ، وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ " الحديث .
فينبغي أن يكون الرجل سهلا هينا مع أهله ، وأن لا يرى حرجا في إبداء المرأة رأيها ، أو سبقه إلى شيء لا إثم فيه ، فإنما النساء شقائق الرجل ، وكم من امرأة ذات رأي سديد ، وموقف رشيد .
نسأل لنا ولكم التوفيق والسداد .
والله أعلم .