عنوان الفتوى : ارتد أخوه عن الإسلام ، فهل له أن يظل يحبه ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

تعرَّف أخي الأكبر على فتاة نصرانية وارتد عن الإسلام إلى النصرانية ! حاولنا كلنا معه أن نجعله يتصرف بحكمة ويرى الأمور على حقيقتها ولكن دون جدوى ، تبرأ منه والداي ، ولكن لم يفعل ذلك شيئاً ، تزوَّج الفتاة النصرانية وأنجب منها ثلاثة أطفال ، ما الذي أفعله فأنا ما زلت أحبه ، فهو أخي وأشعر بالأسى والحزن في عيون أبواي طيلة الوقت ؟ . أشكركم .

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله.


أولاً :
من الطبيعي جدّاً أن يظهر الحزن والأسى على والديك ، فليس هناك مصيبة أعظم من مصيبة الدين ؟ وليس هناك من هو أحب إليهما من أولادهما ؟

ثانياً :
ينبغي أن تعلم أن المحبَّة الطبيعية التي تكون بين الأقارب لا يمكن دفعها ولا إزالتها ، ولكن إذا كان ذلك القريب كافراً : فإنه لا يجوز للمسلم أن يجعل مع هذه المحبة الطبيعية شيئاً من المحبة الدينية .
وقد أثبت الله تعالى حبَّ النبي صلى الله عليه وسلم لعمِّه أبي طالب مع كفره ، وقد كانت تلك محبة طبيعية لقرابته .
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
"وأنزل الله في أبي طالب : (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت) ، ( إِنَّكَ ) أيها الرسول ، ( لَا تَهْدِي ) لا تملك هداية ( مَنْ أَحْبَبْتَ ) من أقاربك وعمِّك ، والمراد بالمحبة هنا : المحبة الطبيعية ، ليست المحبة الدينية ، فالمحبة الدينية لا تجوز للمشرك ولو كان أقرب الناس ( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) - المجادلة/ 22 - فالمودة الدينية لا تجوز ، أما الحب الطبيعي فهذا لا يدخل في الأمور الدينية" انتهى .
" إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد " ( 1 / 356 ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن البرَّاك حفظه الله :
"والمحبة نوعان : محبة طبيعية كمحبة الإنسان لزوجته ، وولده ، وماله ، وهي المذكورة في قوله تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم/ 21 ، ومحبة دينية ، كمحبة الله ورسوله ومحبة ما يحبه الله ، ورسوله من الأعمال ، والأقوال ، والأشخاص .
قال تعالى : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) المائدة/54 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد ... ) الحديث .
ولا تلازم بين المحبتين ، بمعنى : أن المحبة الطبيعية قد تكون مع بغض ديني ، كمحبة الوالديْن المشركيْن فإنه يجب بغضهما في الله ، ولا ينافي ذلك محبتهما بمقتضى الطبيعة ؛ فإن الإنسان مجبول على حب والديه ، وقريبه ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب عمه لقرابته مع كفره قال الله تعالى ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء ) القصص/ 56 ، ومن هذا الجنس : محبة الزوجة الكتابية فإنه يجب بغضها لكفرها بغضاً دينيّاً ، ولا يمنع ذلك من محبتها المحبة التي تكون بين الرجل وزوجه ، فتكون محبوبة من وجه ، ومبغوضة من وجه ، وهذا كثير ....
والعاقل من حكّم في حبه ، وبغضه الشرع ، والعقل المتجرد عن الهوى ، والله أعلم" انتهى
https://ar.islamway.net/fatwa/37773

ولعل عنده شبهات يحتاج إلى مناقشتها ، والرد عليها ، فإن أزيلت عاد إلى الإسلام مرة أخرى، وهو ما ندعو الله أن يكون .
فإن أصر على ما هو عليه ، فذلك من الابتلاء لكم ، فعليكم بالصبر على ما قدره الله تعالى ، والعلم بأن لله تعالى حكمة في ذلك .
وها هو نوح عليه السلام يرى ابنه الكافر قبل غرق الأرض بالكفار فيناديه بحزن وأسى ليكون في سفينة النجاة ، ويأبى الابن إلا أن يكون من الكافرين فكان من الهالكين ، وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عمَّه أبا طالب حتى اللحظة الأخيرة من حياته ليوحِّد ربَّه تعالى ، فيأبى إلا الكفر ، وها هو إبراهيم عليه السلام يدعو أباه ويحاول هدايته للتوحيد فيأبى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"ومن المعلوم أن محمَّداً صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بالله وتوحيده وأسمائه وصفاته وملائكته ومعاده وأمثال ذلك من الغيب ، وهو أحرص الخلق على تعليم الناس وهدايتهم ، كما قال تعالى : ( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) التوبة/ 128 ، ولهذا كان من شدة حرصه على هداهم يحصل له ألَمٌ عظيم إذا لم يهتدوا ، حتى يسليه ربُّه ويعزيه ، كقوله تعالى : ( إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ ) النحل/ 37 ، وقال تعالى : ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء ) القصص/ 56 ، وقال تعالى : ( لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) الشعراء/ 3" انتهى .
" درء تعارض العقل والنقل " ( 3 / 92 ) .
والذي ينبغي لك أن تستمر في حسن التعامل مع أخيك ، ومواصلته ، وحسن التقرب له بالهدية والكلمة الحسنة ، وبذل الوسع في نصحه وهدايته ، والدعاء المستمر بأن يشرح الله صدره للإسلام ويعود أحسن مما كان .
والله أعلم

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...