عنوان الفتوى : هل يشرع للموظف أن يعمل في الدلالة أثناء وقت عمله
أنا رجل أعمل في محل لبيع الأسمنت ومواد البناء، وأنا في الخط الأمامي مع العملاء، أحيانا قد يأتيني عملاء يطلبون ما ليس موجودا في المحل، فأدلهم عليه مقابل أن أحصل على نسبة سعي من الطرف الذي دللتهم عليه، فهل هذه النسبة من السعي تكون من حق المحل أم من حقي أنا؟ ولا يوجد اتفاق بيني وبين أصحاب المحل على هذه الأمور؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالسائل يعتبر أجيراً خاصاً في هذا المحل، والأجير الخاص كما قال ابن الهمام في فتح القدير: هو الذي يستحق الأجرة بتسليم نفسه في المدة وإن لم يعمل.. وإنما سمي أجير وحد، لأنه لا يمكنه أن يعمل لغيره، لأن منافعه في المدة صارت مستحقة له والأجر مقابل بالمنافع ولهذا يبقى الأجر مستحقاً وإن نقض العمل. انتهى.
ولهذا لم يجز له أن يعمل لغير مستأجره في وقت العمل إلا بإذنه، قال علاء الدين الطرابلسي في معين الحكام: اعلم أن الأجير الخاص من يستحق الأجرة بالوقت دون العمل، ولا يجوز أن يعمل لغيره بغير إذن من استأجره وهو معنى الخاص. انتهى..
فإن عمل لغيره بدون إذن مؤجره فهو آثم، واختلف في استحقاقه الأجرة كاملة على العملين إذا وفى بعمله على وجه التمام والكمال، وجاء في الفقه الحنفي من كتاب الفتاوى الهندية: ليس للراعي إذا كان خاصاً أن يرعى غنم غيره بأجر، فلو أنه آجر نفسه من غيره لعمل الرعي ومضى على ذلك شهور ولم يعلم الأول به، فله الأجر كاملاً على كل واحد منهما، لا يتصدق بشيء من ذلك إلا أنه يأثم. كذا في الذخيرة وفي الولوالجية: بخلاف ما إذا استأجره يوما للحصاد أو للخدمة فحصد في بعض اليوم أو خدم لغيره لا يستحق الأجر كاملاً، ويأثم كذا في التتارخانية. انتهى.
ومنهم من حكم باعتبار الإضرار بالمستأجر كما حكى ابن قدامة في المغني: عن الإمام أحمد في رجل استأجر أجيراً على أن يحتطب له على حمارين كل يوم، فكان الرجل ينقل عليهما وعلى حمير لرجل آخر، ويأخذ منه الأجرة، أنه قال: إن كان يدخل عليه ضرر يرجع عليه بالقيمة. ثم قال ابن قدامة: فظاهر هذا أن المستأجر يرجع على الأجير بقيمة ما استضر باشتغاله عن عمله، لأنه قال: إن كان يدخل عليه ضرر يرجع عليه بالقيمة، فاعتبر الضرر. وظاهر هذا أنه إذا لم يستضر لا يرجع بشيء لأنه اكتراه لعمل فوفاه على التمام، فلم يلزمه شيء، كما لو استأجره لعمل فكان يقرأ القرآن في حال عمله، فإن ضر المستأجر يرجع عليه بقيمة ما فوت عليه. ويحتمل أنه أراد أنه يرجع عليه بقيمة ما عمله لغيره، لأنه صرف منافعه المعقود عليها إلى عمل غير المستأجر، فكان عليه قيمتها، كما لو عمل لنفسه. وقال القاضي: معناه أنه يرجع عليه بالأجر الذي أخذه من الآخر لأن منافعه في هذه المدة مملوكة لغيره، فما حصل في مقابلتها يكون للذي استأجره. انتهى.
وما تقدم من خلاف عند أهل العلم الذي يظهر لنا منه أنه فيما إذا وجد عمل، أما مجرد أن يأتي الزبون إلى العامل فيسأله عن سلعة غير موجودة في المحل فيجيبه بأنها توجد عند فلان أو في المحل الفلاني فهذه الإجابة إذا لم تأخذ وقتاً ذا بال من العامل أو انشغل بها عن ما هو مكلف به من عمل في المحل فيجرى في أجرته الخلاف المتقدم، وإن كانت غير ذلك وإنما هي كلمة لانشغله عن عمله فلا بأس بها، ويستحق العمولة التي يأخذها من المحل الآخر، وهي أقرب إلى المثال الذي أشار إليه ابن قدامة يقرأ القرآن في حال عمله.
والله أعلم.