عنوان الفتوى : حكم بيع الرمال التي ليست مملوكة لأحد
فأنا اسمي محمد من الجزائر، ولدي استفسار يخص العمل الذي أزاوله وقبل طرحي للسؤال أود أن أعرفكم قليلا على حال الناس في هذا البلد الذي يعد من البلدان المتأثرة بالغرب والتاركة لدينها ولكتاب ربها بالكلية، وبسبب هذا الواقع فقد أصبح طلب الرزق الحلال في بلدنا عسيرا جدا، فالشاب إن أراد العمل الحكومي عليه أن يبحث عن وساطة أو عليه دفع الرشوة، وإن أفلح في تجاوز هذه العقبة بسلام فإنه سيجد نفسه في مأزق حقيقي لأن معظم الإدارات والمديرين لا يروقهم الشاب الملتزم؛ لذا يتعمدون مضايقته إما بقوانين رسمية كحلق اللحية أو إلزامه بالعمل في مكتب مغلق مع النساء السافرات والفاجرات مع ما يلقاه من ضغوط إن أراد أن يتقي الله في عمله بفضح كل المتلاعبين والغشاشين. أما بالنسبة لمن أراد الأعمال الحرة فهي غير متاحة إلا لذي حظ عظيم لأنها تتطلب رأس مال معتبرا. ومعظمنا لا يملك ذلك مع العلم أن الدولة تقدم إعانات كبيرة للشباب أصحاب المشاريع، ولكنها للأسف عبارة عن قروض ربوية محضة ... و نظرا لهذا الواقع فقد أصبح طلب الحلال أمرا مستغربا لدى معظم الناس بل ويثير دهشتهم و استهزاءهم لأنهم تعودوا على الاسترزاق من أي جهة و بأية طريقة كانت ولسان حالهم يردد "إن الله غفور رحيم" بل العجب العجاب في هذا البلد أنك لا تجد أي أحد و لا حتى أئمة المساجد أو ممن يتسمون "علماء دين" لا تجدهم أبدا يخوضون في مسائل الحلال و الحرام، أو يسعون لتبيين ذلك للناس بل إن الأسئلة المتعلقة بهذا الباب تعد عندهم من المصائب و الفتن العظيمة لأنهم اشتروا بعهد الله ثمنا قليلا هو ذلك الراتب الزهيد الذي يتقاضونه من الدولة، فلو سألت أحدهم عن حكم العمل في البنوك الربوية أو التعامل معها أو دفع الضرائب وغيرها لوجدته يتهرب من الإجابة قدر المستطاع وربما قد يغلبه شيطانه فيفتي بجواز ذلك كله والله المستعان .. وهذا الذي جعلني ألجا إليكم طلبا لفتوى حقيقية. فأنا وكما قلت شاب عاطل عن العمل نظرا للظروف التي ذكرتها ولشدة كرهي وبغضي للمال الحرام فقد تركت العديد من فرص العمل الحقيقية، وهذا ما أدخلني في دوامة من الفقر والهموم و الديون والفتن التي لا يعلم قدرها إلا الله، ذلك لأن الفقر ما ترك بابا من أبواب الخير إلا وأغلقه علي كطلب العفاف أو البر أو الأمر بالمعروف، وما ترك بابا من أبواب الشر والفتن إلا وفتحه علي إلى درجة أني أصبحت أخاف على إيماني ويقيني من الزوال، وبعد سنين طويلة من الدعاء والصبر لاح لي أمل في حصول الفرج، فقد ساق الله لي بابا من أبواب الرزق التي أحسبها من الحلال الطيب، وهو عبارة عن العمل في استخراج الرمل من الأودية وبيعه، وهذا العمل يدر في بلادنا أرباحا كثيرة نظرا لكثرة مشاريع البناء، ولكن الذي جعلني أتردد في ولوج هذا العمل هو أن الكثيرين يسمونه سرقة الرمال، ولا أدري ممن نسرقها؛ لأن الوديان ليست لأحد، و سبب التسمية هو أن هذا العمل يتطلب رخصة تمنحها الدولة مع العلم أن كل أو معظم من يمتهنون هذا العمل لا يحوزون على أي رخصة نظرا لأن الحصول عليها متعسر وقد يتطلب دفع الرشاوى أو غيرها، وكذلك لأن الرخصة ما فرضت أصلا إلا لتحصيل الضرائب "المحرمة" من طرف الدولة والتي تنفق فيما بعد على اللاعبين والمغنين، وللعلم فان دولتنا المباركة لا يوجد في قواميسها شيء اسمه الحلال والحرام، فما دمت تحترم القوانين وتدفع الضرائب يمكنك أن تعمل في أي مجال تريد؛ ولهذا كثرت عندنا مصانع الخمر والتبغ والمراقص الماجنة والملاهي الليلية ومحلات بيع المكياج و ملابس العري والخلاعة وغيرها الكثير ولا يخفى عليكم أن العمل المخالف للشرع هو حرام قطعا ولو كان موافقا للقوانين وسؤالي هل العكس أيضا صحيح أي إذا كان العمل موافقا للشرع ومخالفا للقوانين فهل يكون حلالا أم لا ... الرجاء أفيدوني بإجابة شرعية مفصلة وواضحة، وفي أسرع وقت إن أمكنكم ذلك لأن الأمر عاجل. وجزاكم الله عنا كل خير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا حرج على السائل في أخذ هذه الرمال وبيعها، طالما أنها أخذت من أرض ليست ملكا لأحد، قال ابن قدامة في (الكافي): من سبق إلى مباح كالسنبل الذي ينتثر من الحصادين وثمر الشجر المباح والبلح وما ينبذه الناس رغبة عنه فهو أحق به؛ للخبر. اهـ.
يعني بالخبر ما رواه أبو داود من حديث أسمر بن مضرس مرفوعا: من سبق إلى ماء لم يسبقه إليه مسلم فهو له.
قال القاري في (مرقاة المفاتيح): قوله "من سبق إلى ماء" أي مباح، وكذا غيره من المباحات كالكلأ أو الحطب وغيرهما. وفي رواية: "إلى ما" مقصورة فهي موصولة أي إلى ما لم يسبقه إليه مسلم "فهو له" أي ما أخذه صار ملكا له دون ما بقي في ذلك الموضع فإنه لا يملكه. اهـ.
وقد سبق أن نبهنا على ذلك في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 71817، 33119 ، 120577.
وإذا كان هذا العمل يتطلب ترخيصا من الدولة وتلزم به فلا حرج على السائل في استخراج هذا الترخيص وإن ألزم بدفع ضرائب ظالمة فالإثم على من ألزمه.
وأما مسألة الأعمال التي لم تُحظر في الشرع، ولكنها تُحظر في القوانين الوضعية، فحكمها مبني على الغاية التي سنت لأجلها هذه القوانين ومدى تحقيقها لهذه الغاية، فإن كانت قد سُنت مراعاة لمصلحة عامة، فإنه لا يجوز مخالفتها إذا تعينت فيها المصلحة أو غلبت، وتكون هذه القوانين بهذا الاعتبار داخلة في حكم الشريعة لأن الشريعة جاءت بجلب المصالح وتكثيرها، وبدرء المفاسد وتقليلها.
وأما إذا خلت هذه القوانين من تحقيق المصلحة العامة، فلا حرج في مخالفتها ما لم يتسبب ذلك في ضرر أو فتنة، وذلك أن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 137746.
والله أعلم.