عنوان الفتوى : مسألة حول السكنى في أماكن المعذبين

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أنا السائل في الفتوى رقم 136555 وأريد أن أستفسر حول الفقرة الأخيرة من الفتوى وهي: وأخيرا ننبه على أن مأرب وسدها موضع من مواضع المعذبين، كما قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ {سبأ: 15-19}. فهل هذا يعني بأنه يجب على المقيمين في مأرب الخروج منها وماهي حدود مكان العذاب في مأرب لأن حدود محافظة مأرب الإدارية كبيرة تقريبا عُشر مساحة اليمن..

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا يخفى أن ما يعرف الآن بمحافظة مأرب بحدودها الإدارية الحالية لا ينطبق هذا الكلام على جميعها، وإنما المراد موضع العذاب فحسب، وهو موضع السد والسيل الذي دمره ودمر جنتيهم، وهذا لا يمكن القطع بحدوده على وجه الدقة، وقد يتعسر تعيينه على وجه التقريب أيضا، فيبقى هذا الحكم قاصرا على ما هو متيقن كموضع السد، ولا يشمل غيره مما يشك فيه؛ إعمالا للأصل، وذلك أن لهيئة كبار العلماء بحثا مطولا ومفصلا عن حكم إحياء ديار ثمود، فكان تعيين حدوده من الجوانب المهمة في هذا البحث، ولم يتيسر لهم القيام بذلك رغم استعانتهم بأهل الخبرة والخرائط واطلاعهم على كلام أهل العلم في هذا الصدد، ومما جاء في قرار الهيئة: وحيث إن الهيئة لم تجد نصوصا صريحة تحدد المنطقة تحديدا لا يكون للاجتهاد فيه مجال، وحيث إن ما ذكره بعض أهل العلم بالتفسير والسير - كابن إسحاق وغيره - من تحديد أرض الحجر بثمانية عشر ميلا أو بخمسة أميال لا يمكن الاعتماد عليه في تحليل أو تحريم ما لم يكن معتمدا على ما ثبت من كتاب أو سنة. وحيث إن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد دليل ينقل ذلك الأصل عن حكمه، بناء على ذلك فإن الهيئة تقرر ما يأتي:

أولا : منع الإحياء والسكني فيما يلي :

أ- ما كان فيه آثار من جبال وسهول .ب- الآبار الثمودية .ج- مجرى الوادي ومفرشه.

ثانيا: ما عدا ذلك مما كان خارجا عما هو منوه عنه أعلاه وداخلا في محيط سلسلة الجبال القائمة - فإن الهيئة تقرر بالأكثرية جواز إحيائه والسكنى فيه؛ لأن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد دليل الحظر. اهـ.

والمقصود أن نبين صعوبة تعيين مثل هذه المواضع تعيينا مفصلا.

وقد سبق لنا بيان الزجر عن السكن في ديار المعذبين في الفتوى رقم: 48829.

 وقد بوب البخاري في صحيحه: باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب، وقال: ويذكر أن عليا رضي الله عنه كره الصلاة بخسف بابل. ثم أسند حديث ابن عمر في النهي عن الدخول على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين.

قال البغوى في شرح السنة: فيه دليل أن ديار هؤلاء لا يتخذ مسكنا ووطنا؛ لأنه لا يكون دهره باكيا أبدا، وقد نهى أن يدخلها إلا هكذا اهـ. ونقله القاري في مرقاة المفاتيح ثم قال: ويلائمه ظاهر قوله تعالى تقريعا وتوبيخا وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم)وفيه تنبيه نبيه على أن الأماكن لها تأثير من عند الله تعالى بالنسبة إلى سكانها محنة ومنحة. اهـ.

وقال ابن بطال: قال المهلب: إنما هذا من جهة التشاؤم بالبقعة التي نزل بها سخط الله، يدل على ذلك قوله تعالى: وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال [ إبراهيم: 45 ] فوبخهم تعالى على ذلك .اهـ.

والذي نعرفه أن هذا الموضع غير مأهول بالسكان من قديم وإنما هو أحد المزارات السياحية، قال القزويني في آثار البلاد وأخبار العباد: مأرب: كورة بين حضرموت وصنعاء، لم يبق بها عامراً إلا ثلاث قرى يسمونها الدروب، كل قرية منسوبة إلى قبيلة من اليمن. اهـ.

 ثم قال: وجاء السيل بالرمل فطمها، وهي على ذلك إلى اليوم، كما أخبر الله تعالى، فجعلهم الله أحاديث ومزقهم كل ممزق. اهـ.

والله أعلم.