عنوان الفتوى : تلك وساوس شيطانية يريد أن يصدك بها عن دينك

مدة قراءة السؤال : 6 دقائق

اتصلت بكم عن طريق (الفتاوى الحية ) فطلبتم مني أن أرسل فتواي بكيفية مباشرة ، لأن فتواي هذه تتطلب الوقت الكافي للإجابة عنها ، وهذا هو نصها . وفقكم الله وجزاكم عني خير الجزاء ، وجعل عملكم هذا في ميزان حسناتكم . إخوتي الكرام أرجو إجابة شافية خاصة فيما يتعلق بالأسئلة الخمس في نهاية رسالتي . والسلام عليكم : بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا مباركا إلى يوم الدين . سيدي الفاضل : السلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته . أرجوكم أن تفتوني في أمري والله تعالى يجازيكم عني خير الجزاء ، ويجعل عملكم هذا في ميزان حسناتكم وبعد : تنتابني في كل لحظة من لحظات حياتي هواجس لا تفارقني ليلا أو نهارا حتى أصبحت حياتي منغصة ، وخاصة عندما أخلو إلى نفسي وأفكر في زواجي وأسرتي ، ولقاء ربي ، وعباداتي ، وعقيدتي . أما عندما أقرأ كتاب الله عز وجل ، فإني أزداد تعاسة وهما وغما من كل آية من آيات العذاب ، بل إنني أجد في قوله تعالى :' وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا' ، وكذا في قوله تعالى :' قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا' ، أقول إنني أجد في هاتين الآيتين الكريمتين وفي غيرهما من كتاب الله عز وجل إنذارا ووعيدا شديدا وزاجرا لي أنا بالذات ، أما آيات الرحمة والغفران فأجد نفسي وأنا أتلوها بعيدة مني كل البعد - أستغفر الله العظيم لي ولكم ولكل من يوحد الله ويؤمن بالله واليوم الآخر . سيدي الفاضل : إن سبب هذا الشرود والأفكار التي تسيطر على ذهني ، وتنغص عيشي ترجع إلى خلافات زوجية قديمة ونزاعات أسرية بغيضة نتج عنها عدم تحكيم العقل بالرجوع إلى هدي القرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيدا عن الغضب والانفعال الذي هو سمة من سمات مزاجي العصبي ، وعند هذا الغضب حدث ما حدث من التلفظ بكلمة الطلاق في حق زوجتي خلال فترة الحيض أو طهر تمت فيه المعاشرة . لكن بعد التأمل في الموضوع ، والبحث الطويل في كتب الفقه والسنة واستفتاء بعض العلماء تبين لي أن هناك خلافا بين أئمة العلم والعلماء وفقهاء الشريعة حول إيقاع الطلاق البدعي . وفي آخر المطاف أخذت برأي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله الذي يستند في عدم إيقاع الطلاق البدعي بدوره إلى علماء الأمة سلفهم وخلفهم ، كمذهب ابن عمر وابن عباس من الصحابة رضي الله عنهم ، وكذا مذهب سعيد بن المسيب وطاوس وخلاس بن عمرو من التابعين بالإضافة إلى رأي شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهم . اطمأنت نفسي إلى فتوى سماحته التي هي منتشرة في موقعه الإليكتروني ، وكذا إلى رأي هؤلاء العلماء سلفهم وخلفهم جميعا فرجعت إلى زوجتي واستقامت حياتنا الزوجية ورزقنا الله سبحانه وتعالى خمسة أبناء . إلا أنني كلما رجعت أفكر في زمن الشقاق والنزاع والصراع القديم يستولي على ذهني ما يستولي من ندم وهواجس الماضي . وخاصة هذه الأيام عندما كنت أقرأ ما جاء في بعض الكتب المنشورة على الانترنيت ، فإذا بي أعثر على رأي مفاده (أن من تتبع الرخص فقد تزندق ؟؟؟؟...) وقد نسب هذا الكلام لإبراهيم بن الأدهم ونوقش على أساس أنه من يطلب فتوى من مذهب غير مذهبه ووجد في هذه الفتوى ترخيصا وتساهلا وأخذ به فهو زنديق . وهكذا زادت نكبتي واتسعت دائرة هواجسي وضاقت علي الأرض بما رحبت ، فالتجأت إليكم سيدي الفاضل للأخذ بيدي وإرشادي للطريق الصحيح في عبادتي . لذا أطلب منكم أجوبة محددة على هـــذه الأسئلة لحل معضلتي الدينية والنفسية والاجتماعية : 1 - هل زواجي الحالي بعد طلاق بدعي مختلف فيه زواج فاسد حرام؟ 2 - هل الأخذ والاطمئنان إلى فتوى ابن باز رحمه الله والعمل بها عمل باطل ؟ وخروج عن مذهب أهل السنة والجماعة ؟ 3 - هل يترتب عن بطلان هذا العمل - إذا كان باطلا حقا - بطلان كل عباداتي من حج وعمرة وصلاة وصيام وزكاة وكل أعمال الخير، وبالتالي ينطبق علي مفهوم الآيتين القرآنيتين ألسابقتي الذكر ؟ 4 - هل أنا زنديق بخروجي عن مذهب الإمام مالك إلى مذهب الإمام أحمد في فتواي والقاعدة الفقهية المشهورة تقول : المفتى لا مذهب له .؟ 5 ـ هل ما يستولي علي من هواجس وشرود وتأنيب ضمير هو صوت الحق يناديني من أجل فراق زوجتي وأسرتي ؟؟؟ .... هي وساوس من الشيطان الرجيم الذي يحاول أن يفرق شمل أسرتي من جديد ؟... أرجوكم سيدي الفاضل أنقذوني من هذا التمزق النفسي الذي يطاردني كل يوم بل كل لحظة وينغص على حياتي وصلاتي وكل عباداتي ، ولكم جزيل الشكر ... أنا في انتظار أجوبتكم بفارغ الصبر.

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما تجده بداخلك من وساوس هو من الشيطان يلبس عليك ويجعلك في هم وغم  ليصدك عن سواء السبيل فتيأس من روح الله وهذا الذي حذر الله تعالى منه فقال: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ { يوسف:87}

 ومن كان في مثل همك وغمك ينبغي أن يكثر من قراءة آيات الرحمة والمغفرة.

 كقوله تعالى قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ { الزمر:53}

وقوله: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء   {النساء:48}

 وقوله إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:70}

وكذلك من الأحاديث قوله سبحانه في الحديث القدسي "يا ابن آدم إنك ما دعوتني ‏ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان ‏السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم ‏لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة" رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

 قال ‏الإمام ابن رجب الحنبلي: وقوله: " إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان ‏منك ولا أبالي" يعني: على كثرة ذنوبك وخطاياك، ولا يتعاظمني ذلك، ولا أستكثره، وفي ‏الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم قال: " إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة، ‏فإن الله لا يتعاظمه شيء" رواه ابن حبان فذنوب العباد وإن عظمت فإن عفو الله ومغفرته ‏أعظم منها وأعظم، فهي صغيرة في جنب عفو الله ومغفرته. وفي صحيح الحاكم، عن ‏جابر أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: واذنوباه واذنوباه! مرتين أو ثلاثاً، ‏فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" قل" اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي، ورحمتك أرجى ‏عندي من عملي"، فقالها، ثم قال له: "عد" فعاد، ثم قال له: " عد" فعاد، فقال له: "قم" ‏فقد غفر الله لك". وفي هذا يقول بعضهم:

يا كبير الذنب عفو الله من ذنبك أكبر، أعظم ‏الأشياء في جنب عفو الله يصغر!. ( جامع العلوم والحكم 2/46).

فأبشر بمغفرة الله ورحمته ما أقبلت عليه وإياك واليأس فالمسلم الحق هو الذي يجمع بين الخوف ‏والرجاء، فيرجو رحمة الله ويخشى عذابه، كما قال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً ‏وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ‏إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ{الزمر:9}

ولا يغلب أحد الطرفين على الآخر فإذا قرأ آية عذاب خاف وتجهم لما يرى أنها تنطبق على حاله لتفريطه في جنب الله وإذا قرأ آية رحمة استبشر وتهلل واطمأن لما يرى من سعة رحمة الله وكريم عفوه اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد  {الزُّمر:23}

وأما ما سألت عنه فجوابه أنه لاحرج عليك في الأخذ بفتوى الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى ولو كانت تخالف مذهبك الفقهي إذ لايلزم المقلد العامي اتباع فتوى مجتهد بعينه ولا يتعارض ذلك مع حرمة تتبع الرخص وزلات أهل العلم لكن لا يعتبر الأخذ بقول معتبر لأهل العلم مستند إلى أدلة شرعية صحيحة صريحة من ذلك القبيل قال النووي في روضة الطالبين: وليس له التمذهب بمجرد التشهي، ولا بما وجد عليه أباه. هذا كلام الأصحاب. والذي يقتضيه الدليل أنه ـ أي العامي ـ لا يلزمه التمذهب بمذهب، بل يستفتي من يشاء، أو من اتفق، لكن من غير تلقط للرخص اهـ. وانظر تفصيل ذلك في الفتاوى رقم: 24444، 128879، 120640.

وبناء عليه فأنت معذور فيما أخذت به من مراجعة زوجتك التي طلقتها طلاقا بدعيا وأغلب المحاكم الشرعية في العالم الإسلامي اليوم تعتمد تلك الفتوى وتبني عليها أحكامها فلست زنديقا ولامرتدا ولا غير ذلك مما ذكرت . وزوجتك باقية في عصمتك عملا بتلك الفتوى وذلك الرأي . ودع الوساوس والأوهام وأقبل على حياتك وعبادتك .

وانظر الفتوى رقم: 97545.

والله أعلم.

أسئلة متعلقة أخري
علاج الألم النفسي الحاصل من المشاكل مع أعز الأصدقاء
علاج الخواطر والوساوس المستقرة والعارضة
لا حرج في إخبار الموسوس للطبيب النفسي عن وساوسه
اصطدم بسيارة وهرب ثم وسوس بأن المصدوم توفي
علاج الوساوس في ذات الله جل وعلا
ضابط التفريق بين النطق بقصد وبغير قصد
الواجب تجاه توارد خواطر السوء
علاج الألم النفسي الحاصل من المشاكل مع أعز الأصدقاء
علاج الخواطر والوساوس المستقرة والعارضة
لا حرج في إخبار الموسوس للطبيب النفسي عن وساوسه
اصطدم بسيارة وهرب ثم وسوس بأن المصدوم توفي
علاج الوساوس في ذات الله جل وعلا
ضابط التفريق بين النطق بقصد وبغير قصد
الواجب تجاه توارد خواطر السوء