عنوان الفتوى : حكم الراتب إذا كان الموظف لا يسند إليه عمل
الإخوة الأعزاء في موقع إسلام ويب: الرجاء إبداء الرأي الشرعي في المسائل التالية ـ حسب ما ترونه موافقًا لكتاب الله عز و جل و سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه و سلم ولآراء العلماء الأفاضل: ١ـ حكم بقاء المسلم العامل على رأس عمله عندما يعجز كل من صاحب العمل المسلم والمسلم العامل عن إيجاد أعمال يقوم بها المسلم العامل، بحيث تغطي رواتب المسلم العامل ومصاريف المنشأة وتشعر هذا المسلم العامل بأنّه منتج و مبدع، علمًا بأن أهم الأسباب التي أدّت الى هذاالوضع: الأزمة المالية العالمية الحالية التي تعصف بالمنطقة، وبنية العمل غير الصحية التي تعتمد على الدسائس والمصالح والكذب والصراعات الوظيفية التي يعاني منها صاحب العمل المسلم كثيرًا.٢ـ حكم وجوب استقالة هذا المسلم العامل من عمله على الرغم من أعبائه والتزاماته العائلية والأسرية والوظيفية، علمًا بأن صاحب العمل لم يطلب منه ذلك، بل لم يقم صاحب العمل بالإشارة إلى ذلك ـ لا من قريب ولا من بعيد ـ وكذلك أخذًا بالأسباب، لصعوبة إيجاد فرص عمل، والعالم تعصف به الأزمات المالية والسياسية. ٣ـ حكم المال الناتج عن هذا الراتب، علمًا بأن هذاالمسلم العامل يقضي جزءا من وقته الخاص بالعمل في أمور شخصية - كتصفح الجرائد والبحث عن عمل في منشأة آخرى، و تطوير المهارات الفردية - نتيجة الإحباط واليأس وعدم وجود أي عمل آخر يستطيع القيام به لسد أوقات الفراغ، وكذلك بسب الدسائس والصراعات الوظيفية التي أطاحت به وجعلته محاصرًا لايعمل شيئًا، وصاحب العمل المسلم يعلم بأن المسلم العامل ليس لديه عمل يقوم به، لكنه لا يعلم بأن المسلم العامل يقضي وقته في تصفح الجرائد والبحث عن عمل في منشأة آخرى، وبتطوير مهاراته الفردية. ٤ـ نصيحة لكل من المسلم العامل، وصاحب العمل، والزملاء الموظفين المتصارعين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالموظف في شركة أو مؤسسة أو نحو ذلك يعتبر أجيراً خاصاً، والأجير الخاص إذا سلم نفسه للمستأجر ولم يمتنع عن العمل استحق الأجرة كاملة ـ سواء وُجد عمل أو لم يوجد ـ كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 53762، والواجب عليه أن يلتزم بالحضور في الأوقات المحددة من جهة عمله، وأن يقوم بأداء ما أنيط به من أعمال ـ إن وجدت ـ بأمانة وإحسان، فإذا قام بذلك فقد برئت ذمته وطاب كسبه، ولا حرج عليه ـ بعد ذلك ـ إذا استغل أوقات الفراغ أثناء عمله في منفعة خاصة، ما دام ذلك لا يشغله عن ما وكل إليه من عمل، كما سبق بيان ذلك في الفتويين رقم: 1553، ورقم: 24466.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 113178.
وأما ما يتعلق بالنصيحة لصاحب العمل وللعامل والموظفين المتصارعين: فنقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن، فإن الظن أكذب ا لحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوناً.
متفق عليه.
ونذكرهم بأن الدنيا ليست بدار جزاء ووفاء، وإنما هي دار محنة وبلاء، وذلك أنها لم تخلق للدوام والبقاء، بل للزوال والفناء، روى الطبري عن ابن جريج في قوله تعالى: كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ* فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ {البقرة:219-220}.
قال: أما الدنيا فتعلمون أنها دار بلاء ثم فناء، والآخرة دار جزاء ثم بقاء، فتتفكرون فتعلمون للباقية منهما.
انتهى.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون؟.
رواه مسلم.
قال النووي: معنى ـ مستخلفكم فيها ـ جاعلكم خلفاء من القرون الذين قبلكم فينظر هل تعملون بطاعته؟ أم بمعصيته وشهواتكم؟.
انتهى.
ولذا، كان الواجب على العاقل أن تتعلق همته بآخرته، فلها يعمل وإليها يطمح، وقد قدر الله الحكيم أن من فعل ذلك لا يضيع حظه من الدنيا، بل يعطيه الله خيرها، ويحفظه من شرها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت الآخرة همه، جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له.
رواه الترمذي، وصححه الألباني.
ولا شك أن التنافس على الدنيا من أقرب أسباب الهلاك، كما أن الزهد فيها من أعظم أسباب النجاة، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاح أول هذه الأمة بالزهادة واليقين، وهلاك آخرها بالبخل والأمل.
رواه الطبراني، وحسنه الألباني.
وقال ـ أيضاً ـ صلى الله عليه وسلم: ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم.
متفق عليه.
وقال ـ أيضاً ـ صلى الله عليه وسلم: إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض، قيل: وما بركات الأرض؟ قال: زهرة الدنيا، وإن هذا المال حلو، من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع.
متفق عليه.
والله أعلم.