عنوان الفتوى : حكم الاجتماع على ذكر المعاصي وأهلها

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أجتمع مع أصدقائي من جنسيات إسلامية مختلفة ونتحدث ـ أحيانا ـ عن المعاصي التي ترتكب من قبل النساء والشباب ـ إناثا وذكورا ـ في بلداننا من تبرج وسفور واختلاط وقلة حياء وزنا وغيره، وأن الأمر في ازدياد، وفي كل مرة ـ وأثناء الحديث ـ تنتابني وساوس بأنني سعيد بما أسمع، وسعيد بما أخبر به من معاصي في بلدي وأفرح أنني لست منهم، وبعدها أحزن حزنا شديدا، وأندم وأتوب وأعزم على عدم العودة لمثل هذه الأحاديث عندما أتذكر قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (النور19). مع العلم أنها وساوس أو حديث نفس لا أتلفظ بها، والهدف ـ عندما نخوض في مثل هذه الأحاديث ـ معرفة أسباب هذه الفتن، لتجنبها، ولوقاية أسرنا ـ علي الأقل ـ منها، فهل أنا آثم فيما أشعر به؟ مع العلم أنني أتمنى لكل المسلمين في كل أنحاء العالم البعد عن المعاصي، وأحزن على ما فيه الدول الإسلامية من معاص، ولا ينتابني هذا الشعور ـ المذكور سابقا ـ إلا في أثناء مثل هذه الأحاديث فقط لا غير. وجزاكم الله خيراً.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمثل هذه الأحاديث عما يحدث في بلاد المسلمين من معاص وتعد لحدود الله سبحانه لها أحوال: فإن كان الحديث لهدف طيب نبيل كشحذ الهمم للدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا أمر طيب محمود، لكن ينبغي أن يكون الحديث بالقدر الذي يتحقق به هذا الغرض، ولا يزاد على ذلك، أما إن كان الحديث لأجل المسامرة ومؤانسة الطباع فهذا مذموم، لأنه من باب اللغو إضافة إلى ما يترتب على ذلك من مفاسد أخرى ظاهرة، منها:

1- أنه قد يقود إلى احتقار الناس والتكبر عليهم وتحسين الظن بالنفس والغرور بالعمل، وهذا أصل الهلاك وأساس الشر، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم. رواه مسلم. قال أبو داود: قال مالك: إذ قال ذلك تحزنا لما يرى في الناس يعني في أمر دينهم فلا أرى به بأساً، وإذا قال ذلك عجباً بنفسه وتصاغراً للناس فهو المكروه الذي نهى عنه.

 وقال ابن عبد البر في التمهيد: هذا معناه عند أهل العلم أن يقولها الرجل احتقاراً للناس وإزراء عليهم وإعجاباً بنفسه، وأما إذا قال ذلك تأسفاً وتحزنا وخوفا عليهم لقبح ما يرى من أعمالهم فليس ممن عني بهذا الحديث والفرق بين الأمرين أن يكون في الوجه الأول راضياً عن نفسه معجباً بها حاسداً لمن فوقه محتقراً لمن دونه، ويكون في الوجه الثاني ماقتاً لنفسه موبخاً لها غير راض عنها. انتهى.

وفي مصنف عبد الرزاق عن محمد بن يعقوب قال: قال عيسى بن مريم: لا تنظروا في ذنوب العباد كأنكم أرباب وانظروا في ذنوبكم، فإنما الناس رجلان: مبتلى، ومعافى، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية.

2- أن الإكثار من ذكر هذه المنكرات والمعاصي يؤدي إلى قسوة القلب، فإن عموم الكلام بغير ذكر الله يقسي القلب، فما بالك إذا كان الكلام في الفجور والتبرج والفواحش وسائر هذا الفساد الطاغي المتفشي بين الناس.

3- أن الإكثار من ذكر هذه الفواحش يؤدي إلى إسقاط بغضها من القلب، وهذا ذريعة إلى الاستخفاف بها وقد يؤدي ـ والعياذ بالله ـ إلى مواقعتها، أما مجرد شعورك بالفرح بما تخبر به مما هو منتشر من فساد أمور الناس فهذا شعور غير طيب، ولكن لا تؤاخذ به ما دام مجرد شعور، فالواجب على المسلم أن يحزن لما يرى من بعد الناس عن دينهم وتفريطهم في حقوق ربهم، أما أن يفرح بذلك فهذا لا يجوز، أما فرحك بأنك لست من أصحاب هذه المعاصي فهذا له حالان: فإن كان فرحك بسبب ما أنعم الله به عليك من العافية فهذا لا بأس به، بل هو فرح محمود، وقد قال سبحانه: قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {يونس:58}.

 أما إن كان فرحك أشراً وبطراً وإعجاباً بعملك فهذا لا يجوز.

وفي النهاية ننبه على أن مثل هذه الاجتماعات بين الإخوان في الله أو الأصدقاء ينبغي أن تستثمر فيما يرضي الله سبحانه، وأن يحذر من خطوات الشيطان لاستدراجهم إلى الخوض في الباطل، فإن الشيطان أحرص ما يكون على إفساد عباد الله الصالحين، وكثيراً ما يجتمع الناس بنية الخير والتعاون على البر والتقوى، ثم لا يلبث الشيطان أن يدير دفة المجلس إلى اللغو والباطل وما يغضب الله سبحانه، وقد ذكر ابن القيم كلاماً نفيساً في أمر اجتماع الإخوان، فقال في كتابه ـ الفوائد: الاجتماع بالإخوان قسمان: أحدهما: اجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت فهذا مضرته أرجح من منفعته، وأقل ما فيه أنه يفسد القلب ويضيع الوقت.

 الثاني: الاجتماع بهم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالحق والصبر، فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها، ولكن فيه ثلاث آفات: إحداها: تزين بعضهم لبعض.

 الثانية: الكلام والخلطة أكثر من الحاجة.

 الثالثة: أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود. انتهى.

والله أعلم.