عنوان الفتوى : الحد الشرعي في طول الثوب واللحية
يا شيخ، ما هو رأيك في قضية النصف ساق، وتربية اللحية وعدم إنقاصها أو حلقها؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلعل السائل يقصد بقضية النصف ساق، تقصير الملابس إلى نصف الساق، فنقول وبالله التوفيق:
في هذه المسألة تفصيل: فالملابس لا تخلو من أن تكون: إزارا أو ثوبا أو ما يشبه أحد ذلك.
فالقدْرِ المستحبِّ فيما ينزل من طرف الإزار إلى الساق فيه ثلاث سُننٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم جمعها في حديث واحد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى عَضَلَةِ سَاقَيْهِ ثُمَّ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ ثُمَّ إِلَى كَعْبَيْهِ فَمَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي النَّارِ. رواه ابن ماجة وصححه الألباني.
وعضلة السَّاقين أَعلى من أَنصاف الساقين بقليل و(العَضَلَةُ) بفتحات: كُلُّ عَصَبَةٍ معها لحمٌ غليظ، وَوَسطُهَا يعلو نصف السَّاق بقليل.
وهذا الحديث الصحيح صريح بأَن كل المواضع الثلاثة في حد الإِزار طولاً يطلق عليه: إِزرة المؤمن. ومندوب إليها وهذا مِنَ التَوْسِعَةِ لهذه الأُمَّةِ، وَتَنوُّعِ العباداتِ من جنسٍ واحد.
وهذا الحديث ونحوه ورد في الإزار، فهل يأخذ الثوب حكم الإزار فيستحب تقصيره إلى عضلة الساق أو نصفه أيضا؟ أجاب على هذا السؤال العلامة بكر أبو زيد رحمه الله فقال: وإِذا تبينت هذه المواضع الثلاثة، فاعلم أَنَّها سُنَّةٌ في: (الإِزار) أَمَّا في (الثوب) أَي: (القميص) فَنَصِيبُهُ منها السُّنة الثالثة، وهي: من تحت نصف الساق إِلى الكعبين … ولهذا لما قال البهُوتي الحنبلي – رحمه الله تعالى -: (ويُكره كون ثيابه فوق نصف ساقه) قال ابن قاسم رحمه الله تعالى في (حاشيته): (لأن ما فوقه مجلبةٌ لانكشاف العورة غالباً، وإِشهارٌ لنفسه، ويتأذَّى الساقان بحرٍ أَو برد، فينبغي كونهُ من نصفه إِلى الكعب؛ لبُعْدِهِ من النَّجاسةِ والزهوِ والإِعجابِ. انتهى.
قال السفاريني – رحمه الله تعالى - في غذاء الأَلباب: وقال أَبو بكر عبد العزيز – أَي: غلام الخلال -: يُستحب أَن يكون قميص الرجل إِلى الكعبين، وإِلى شراك النعل. انتهى.
ولهذا فَلاَ يُسَنُّ تقصيرُ الثوب إِلى عضلة الساق, ولا إِلى نصف الساق, وهذا بخلاف الإِزار, إِضافة إِلى أن حُسن الهيئة مطلب شرعي, فالإِزار إِلى عضلة الساق, أَو نصفه, مع الرداء, لباس في غاية التناسب, وحُسن اللبسة, وفي (الثوب) ليس كذلك, مع تأديته إلى كشف العورة. والله سبحانه قد أَمرَ بقدرٍ زائدٍ في الصلاة على ستر العورة. وهو: أَخذ الزينة, فقـال سبحانه: يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ. {الأعراف: 31}.
فَعَلَّق الأَمَر باسم الزينة لاَ بِسَتْرِ العورة, إِيذاناً بأَن العبدَ ينبغي له أَن يلبسَ أَزيَنَ ثيابه وأَجْمَلَهَا في الصلاةِ, للوقوفِ بينَ يديه تباركَ وتعالى والتذللِ له, والخضوع لجلاله.
ولهذا والله أَعلم فإِنَّ أَلفاظ الروايات بجعل الإِزار إِلى عضلة الساقين أَو إِلى أَنصاف الساقين, كلها بلفظ: (الإِزار) ولم أَقف على شيء منها بلفظ: (الثوب), فَلْنَقِفْ بالنَّص على لفظه, ومورده, وأَما فيما تحت نصف الساق ففي بعض أَلفاظها إِطلاقٌ, يشملُ الإِزار, والثوب وغيرهما.
وهذه الحدودُ الثلاثةُ الشرعيةُ لموضع طول (الإِزار), والحدُّ الشرعيُّ لموضعِ طول (الثوب) تَعْنِي التَشْمِيرَ, المستحبَّ شَرْعاً. انتهى باختصار من رسالة: حَدُّ الثََّوبِ وَالأُزْرَة وتَحْرِيمُ الإِسْبَالِ وَلِبَاس الشُّهْرَة. للشيخ بكر أبو زيد ويراجع تمام كلامه لنفاسته.
وأما إسبال الملابس حتى تجاوز الكعبين فقد بينا حكمه وأحواله في الفتوى رقم: 5943فراجعها .
وأما عن توفير اللحية فإنه واجب ويحرم حلقها أو أخذ شيء منها على الصحيح من مذاهب العلماء اللهم إلا ما زاد على القبضة منها، وقد بينا هذا بأدلته في الفتويين: 2711، 263. فراجعها.
والله أعلم.