عنوان الفتوى : خروج المرأة.. رؤية واقعية شرعية
أنا مسلمة أحب الله ورسوله، أؤدي فروضي، وألتزم ديني قدر المستطاع، والدي كان إمام مسجد، ربانا على تعاليم الدين الإسلامي ومن بينها طاعة الزوج وعدم إغضابه، وطاعته في كل شي ليس فيه مخالفة لأوامر الله سبحانه، وتزوجت وسافرت مع زوجي إلى بلده ورزقنا ب5 أطفال، وكل يوم أمني نفسي بأن الغد أحسن من الأمس لكني لم أعد أستطيع أن أتحمل تصرفاته غير المفهومة، فهو لا يفوت فرضا في المسجد لكن في نفس الوقت أراه يسهر على النت إلى الفجر، أراه يكتب على الاسكايب مع بنات أرى من عناوين أسمائهم أنها لا تليق، ولا أريد الاسترسال. ثم يؤذن الفجر فيغلق النت ويذهب إلى الجامع لصلاة الفجر وأحيانا يعود لينام، ولا أخفي على شيخنا الفاضل أنني أتقزز عندما أراه يعود إلي بعد أن اشتهى غيري ووالله إنه فوق طاقتي، ثم إن جميع البنات والنساء معه في العمل أو في أي مكان يعجبن به ويتعلقن به والكثير أحببنه لأنه ذو شخصيه قوية ولطيفة في نفس الوقت، يجيد الكلام جيدا وكما يقولون بياع كلام، إضافة إلى أنه يعمل في مجال السياحة في دائرة حكومية فإن عمله يتيح له التعرف على الكثير من النساء، يتصلن به يسألن عنه وهو أيضا يتصل بهن وبغيرهن، هذا على حدة غير بنات خالاته، وبنت عمه التي أخذها مرة معه في رحلة عندما كنت أنا نفساء بدون علمي وأراد أن يتزوجها لكن الله سبحانه أراد غير ذلك، لأني تركت أمي وأبي وإخوتي ولم أرهم طيلة 12 سنة إلا مرتين، وقد تحملت ظلم أهله لي، علما أن أمه وأباه متوفيان، لكن أخته وأخاه يعلم الله ما لقيت منهما من قهر وذل، وكان دائما يلتمس لهما عذر اليتم وقلة المعرفة، رغم أن أخته أكبر مني بعام وأخاه أكبر مني ب5 سنوات فكنت أحتمل وأحتسب. والآن انتقلنا إلى بيتنا الخاص بعد معاناة، صحيح أنه متكون من غرفتين وأن أخته كل صيف تجيء تصيف معنا هي وزوجها الآن بعد أن تزوجت، لكن المشكلة أنه لا يتركني أتعرف على أحد ولا أخرج من البيت إلا بعد محاولات، وإذا احتاج الأولاد شيئا يشتريه هو وأنا بصراحة تعبت لا عندي أهل أزورهم ولا أهله يزوروني، رغم أني أشهد الله أنهم لم يجدوا مني إلا كل تسامح وكل شيء طيب لكن معاملة زوجي لهم هي التي أبعدتهم أيضا حتى إذا جاء أحد من الجيران يريد شي ما، يريدنا نسلفلهم إلا نادرا، واليوم استأذنته بالذهاب لشراء أغراض ضرورية وبصراحة بشيء من الإلحاح مني قال لي: مثل ما بدك. فأخدت ابني عمره 13 سنة وذهبت ولم أغب سوى ساعتين، ورجعت وجدته غضبان، لماذا ذهبت؟ وقلت: أنت قلت على كيفك قال لي: ولو كان لازم تخبريني بالهاتف وهو عادة لا يحب أن أتصل به على الهاتف لكي لا تنتهي بطاقة التلفون، وحصل نقاش ورفع يده علي وهددني بالضرب أمام أولادي، وأهانني بالكلام، وقال لي أيضا لماذا أترك الأولاد يلعبون وهو نايم رغم أن الوقت كانت الساعة 7 مساء والبيت غرفتين و5 أطفال أصغرهم عامين وأكبرهم 14 سنة، وهو هكذا دائما، حاولت كل الطرق أطبخ الأكل الذي يريده أجمل نفسي وأتعطر،أتكلم معه كلاما حلوا لكنه بالعكس كل ما دللته أهانني أكثر وكأنه يحسني ضعيفة، لكن إذا عندت معه، وتمشكلت معه على حقوقي طبعا، وإذا حاسبته على كل شيء صغير يصير هو يترضاني ويرجع إنسانا حنونا وطيبا وهكذا. لذا أردت سؤال فضيلتكم هل حرام علي إذا قاطعته قليلا وإذا رفعت صوتي، لأنه ليس لدي حل غير هذا أو أني أتركه وأسافر لأهلي ولا أرجع له. أفتوني؟ انصحوني؟ أفيدوني فوالله إن هذه الكلمات خطت بدموعي، والله على ما أقول شهيد ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما يفعله زوجك من علاقاته النسائية هذه عبر النت، ومع زميلاته في العمل، وقريباته الأجنبيات، كل ذلك حرام، وقد بينا حرمته في الفتاوى التالية أرقامها : 80373, 97907, 93537 .
وبينا في الفتوى رقم: 4489. كيفية تعامل الزوجة مع زوجها الذي له علاقات محرمة مع النساء.
وأما بخصوص العمل في مجال السياحة فنقول: الأصل في هذا العمل في هذه الأزمنة هو المنع نظرا لما يشتمل عليه من منكرات عظيمة، وقد بينا ذلك بالتفصيل في الفتويين رقم: 63133, 9743, وبينا في الفتوى رقم: 37192. ضوابط العمل في مجال السياحة.
وأما منع زوجك لك من الخروج من البيت فهذا فيه تفصيل:
فأما منعه لك من الخروج الواجب عليك كزيارة الوالدين، أو المستحق لك كالتظلم لدى القاضي وتعلم علم واجب واستفتاء، والحال أنه لم يكفك في هذا، فهذا غير جائز وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتويين : 117262, 51896 .
وأما منعه لك من الخروج للنزهة ونحوها فقد نص بعض الفقهاء على أن منع الرجل لزوجته من الخروج لمثل هذا لا يعد من الضرر.
جاء في حاشية الصاوي على الشرح الصغير: وليس من الضرر منعها من الحمام والنزاهة. انتهى.
وجاء في الشرح الكبير: لا بمنعها من حمام وفرجة. انتهى. أي فليس هذا من الضرر.
ولكن الذي نرى هو أن هذا الكلام ليس هكذا على إطلاقه في كل زمان ومكان, فإن النزهة والترويح على النفس مما تدعو الحاجة إليها خصوصا مع ضيق النفس وكثرة المشكلات والمكدرات, ولعل كلام السادة المالكية على هذا النحو إنما روعي فيه عرف زمانهم فقد كانت المرأة في ذلك الزمان لا تكاد تخرج من البيت. قال ابن العربي: لقد دخلت نيفاً على ألف قرية، فما رأيت نساء أصون عيالاً ولا أعف نساء من نساء نابلس، التي رُمي بها الخليل صلى الله عليه وسلم بالنار، فإني أقمت فيها فما رأيت امرأة في طريق نهاراً إلا يوم الجمعة فإنهن يخرجن إليها حتى يمتلىء المسجد منهن، فإذا قضيت الصلاة وانقلبن إلى منازلهن لم تقع عيني على واحدة منهن إلى الجمعة الأخرى، وقد رأيت بالمسجد الأقصى عفائف ما خرجن من معتكفهن حتى استشهدن فيه. انتهى.
ولكن الحال قد تغير في هذا الزمان ولا حول ولا قوة إلا بالله, فينبغي ألا تمنع المرأة من الخروج بصفة مطلقة، لإن هذا قد يؤدي فتنة لها, وقد جاء في كتب الشافعية أن النزهة من الأغراض الصحيحة المقصودة أحيانا, وذلك أثناء كلامهم على مسألة قصر الصلاة. فقد جاء في حاشية الجمل على المنهج لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري: وفي شرح شيخنا أنه ( التنزه) لو كان لإزالة مرض ونحوه كان غرضا صحيحا. انتهى. ثم ذكر في أثناء الحديث عن مسألة ما لو عدل المسافر عن الطريق القصير إلى الطويل لأجل النزهة قوله: وكذا لو سلك الطويل لمجرد تنزه على الأوجه لأنه غرض مقصود إذ هو إزالة الكدورة النفسية برؤية مستحسن يشغلها عنها ومن ثم لو سافر لأجله قصر أيضا. انتهى.
والحاصل أنا لا نرى منع المرأة من الخروج بصفة مطلقة لأنه لم يجر العرف بذلك في هذه الأزمان، ومعلوم أن الله سبحانه قد أمر بمعاشرة النساء بالمعروف، وليس هذا من المعروف.
فعليك أن تناقشي زوجك بشأن هذا وأن تطلبي منه الخروج للنزهة ونحو ذلك مما يلتزم فيه بالآداب الشرعية.
وأما ما كان منه من إذن لك بالخروج ثم غضبه بعد ذلك فهذا فيه تفصيل: فإن كنت قد فهمت من كلامه هذا الإذن ظاهرا وباطنا أعني بقلبه ولسانه فلا حرج عليك حينئذ في الخروج, وليس عليك أن تؤكدي هذا بالهاتف ونحوه خصوصا مع علمك بكراهته للاتصال به.
أما إن كنت قد فهمت من كلامه هذا عدم الإذن أصلا أو أن إذنه باللسان فقط نتيجة إلحاحك وقلبه غير راض عن ذلك فعندئذ تكونين قد أخطأت بخروجك، لأن إذن من له الإذن يشترط فيه الرضا ظاهرا وباطنا, وقد نص العلماء على مثل هذا في إذن الوالدين لولدهما. جاء في الفواكه الدواني: وإذا خرج بإذنهما فالمعتبر منه الإذن باللسان والباطن، فلا يجوز له الخروج بمجرد إذنهما باللسان حتى يكون القلب كذلك. انتهى.
وأما منعه إعارة ما يحتاجه الجيران فلا حرج عليه فيه وإن كان خلاف الأولى، لأن العارية الأصل فيها الندب ولا تجب إلا في أحوال معينة كاستغناء صاحبها عنها واضطرار السائل لها. جاء في البهجة في شرح التحفة: وحكمها ( العارية) الندب لأنها معروف وإحسان والله يحب المحسنين، وقد يعرض وجوبها كغنى عنها لمن يخشى هلاكه بعدمها كإبرة لجائفة وفضل طعام أو شراب لمضطر إليه. انتهى. وجاء في الذخيرة: وهي مندوب اليها لقوله تعالى: وافعلوا الخير. انتهى.
وأما بخصوص ما تسألين عنه من هجر زوجك أو زجره برفع الصوت عليه ونحو ذلك، فهذا لا يجوز لأنه مما يتنافى مع حقوق الزوج على زوجته والتي بيناها في الفتويين رقم: 29957, 112459
وفي النهاية ننصحك بالصبر على أهل زوجك ومعاملتهم بالحسنى، ومقابلة إساءتهم بالإحسان والصفح، واعلمي أن في الصبر على ذلك خيرا عظيما في الدنيا والآخرة, لكن إن لم تتغير أحوالهم معك ولم تطيقي صبرا على أذاهم فلا بأس حينئذ في أن تتقللي من معاملتهم ومخالطتهم حتى تتجنبي شرهم وأذاهم. وقد بينا في الفتوى رقم: 112460حلولا واقعية لمن تعاني من أذى أهل زوجها.
والله أعلم.