عنوان الفتوى : واجب من به جرح فأجنب
زوجتي قامت باجراء عملية استئصال الثدي لوجود ورم سرطاني به، وبعد العمليه بأيام جامعتها حتى لا تظن أنني أنفر منها بهذا الوضع الجديد، ولكني كنت خائفا من أن تغتسل بالماء حتى لا يتلوث الجرح، والجرح كان مغطى بالشاش والبلاستر (مادة لاصقة) فجعلتها تتيمم بأن وضعت ترابا على كفيها فمسحت به و جهها ثم وضعت لها تراب مرة أخرى على كفيها ومسحت على ساعديها ويديها، ثم صلت فرضها، ولكن الفروض الأخرى التي بعد ذلك كانت تتوضأ لها الوضوء العادي، فهل ما فعلناه صحيح، وأسالكم أن تدعو لها ولسائر مرضى المسلمين بتمام الشفاء، وأن يجعله عاجلا غير آجل، وأن يجعل ذلك في موازين حسناتنا يوم أن نلقاه عز وجل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسألُ الله لجميع مرضى المسلمين الشفاء والعافية، وأن يجعل ما ابتلاهم به في موازين حسناتهم.
وأما عن مسألتك.. فما فعلتموه غير صحيح، وقد كان الواجب عليكم أن تسألوا أهل العلم عما يلزمكم فعله في هذه الحال. فإن الله تعالى يقول: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ { النحل:43}
وكان الواجبُ هو أن تغسل زوجتك ما قدرت عليه من بدنها ، وما كانت تتضرر بغسله فإنها تمسحه بالماء ، فإن عجزت عن مسحه ، مسحت ما عليه من نحو جبيرة ، كالقطن والشاش ، فإن عجزت عن مسح ما على الجرح ، فإنها تتيمم عنه ، ثم تصلي ، وأما أن تقتصر على التيمم ، فهذا لا يجوز. لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ{التغابن:16} ولقوله صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. متفق عليه.
اللهم إلا أن تكون عاجزة عن غسل جميع البدن أو كان غسلها للسليم منه يضر بالجرح، فإنها في هذه يكفيها التيمم.
قال النووي في المجموع: إذا كانت العلة المرخصة في التيمم مانعة من استعمال الماء في جميع أعضاء الطهارة تيمم عن الجميع، فان منعت بعضا دون بعض غسل الممكن وتيمم عن الباقي. انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: من به جروح أو قروح أو كسر أو مرض يضره استعمال الماء فأجنب ، جاز له التيمم للأدلة السابقة ، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك وتيمم للباقي. انتهى.
وقال العلامة العثيمين رحمه الله: قال العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ: إن الجُرحَ ونحوَه إِما أن يكون مكشوفاً، أو مستوراً. فإِن كان مكشوفاً فالواجبُ غسلُه بالماء، فإِن تعذَّر فالمسحُ، فإِن تعذَّر المسحُ فالتيمُّمُ، وهذا على الترتيب. وإن كان مستوراً بما يسوغُ ستره به؛ فليس فيه إلا المسحُ فقط، فإِن أضره المسحُ مع كونه مستوراً، فيعدل إلى التيمُّم، كما لو كان مكشوفاً، هذا ما ذكره الفقهاء رحمهم الله في هذه المسألة. انتهى.
فإذا كانت زوجتك قادرة على غسل بعض بدنها دون أن يضر ذلك بالجرح، فقد علمت أن ما فعلتموه كان خطأً ، وأن زوجتك صلت تلك الصلوات بغير طهارة صحيحة ، فالواجبُ عليها أن تحسب جميع تلك الصلوات التي صلتها ، قبل أن تتطهر الطهارة الصحيحة بالغسل إن قدرت عليه ، أو بغسل الصحيح ومسح ما لا تقدر على غسله ، فإن عجزت فبالمسح على ما يستره من جبيرة ونحوها ، فإن عجزت تيممت عنه ، ثم عليها أن تقضي جميع تلك الصلوات ، لأنها دينٌ في ذمتها ، فلا تبرأ إلا بفعلها لقوله صلى الله عليه وسلم : فدين الله أحق أن يقضى. متفق عليه، وعليها أن تبادر بقضاء تلك الصلوات بما لا يشق عليها في بدنها أو معاشها ، وانظر الفتوى رقم: 31107 ورقم: 65077 .
وهي وإن كانت جاهلةً بكيفية الطهارة ، فإن مذهب الجمهور ، وهو الراجح عندنا أن من ترك شرطا من شروط الصلاة جاهلا به لزمه القضاء ، وهذا هو الأحوط والأبرأ للذمة ، وانظر لمعرفة خلاف العلماء فيمن ترك شرطاً من شروط الصلاة جاهلاً به الفتوى رقم: 109981.
وننبهك إلى أن الصفة المشروعة للتيمم ، والثابتة في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم ، هي أن يضرب المتيمم الأرضَ ضربة واحدة ، فيمسح بها وجهه وظاهر كفيه ، وانظر الفتوى رقم: 12499.
والله أعلم.