عنوان الفتوى : حكم تأليف قصص هزلية حول الشيطان
ما الحكم في تداول قصص هزلية عن الشيطان؟ من باب الاستهزاء به؟من مثل : إبليس يصـــف الوضـــع والحالـــة في البلاد، كان إبليس في غرفته، يلملم ملابسه في حقيبة إلى جانب باقي متعلّقاته. على المنضدة القريبة كانت استقالته موقّعة ومختومة حسب الأصول، وبجوارها تقبع تيكيت إلى جزر القمر، كانت ملامح وجهه في تلك اللحظات تنطق بالحزن والكآبة والإحباط واليأس وقلّة الحيلة مع دهشة مزمنة ارتسمت عليه منذ فترة ليست بالقريبة. واعترافٍ بالعجز والفشل. إبليس راحلٌ عن بلادنا إلى غير رجعة... فليفرح المؤمنون .... وين يامسهّل؟ ليش عم بتضبّ غراضك ، يازلمة ماضلّلي قعدة عندكم إلى سنين عاطل عن العمل، وقرّبت موت من الجوع .. ما بلاقي معك سيجارة يا أخي ؟ ما رح أترك فيكم لاوسواس ولا خنّاس! كنت زمان أوسوس للواحدة تترك ابنها يبكي وهي عم تحكي مع جاراتها، هلا صاروا لحالهم.. يرموا اولادهم بالحاوية أوّل ما يجوا كنت أوسوس للواحد ينسى يسمّي الله قبل ما يأكل، هلا بطّل حدا يلاقي شي ياكلو! يا زلمة.. إذا أنا إبليس... تسمّمت بالشاورما كنت كمان بوسوس للشب يرميلو كلمة عالبنت وهي ماشية بالشارع, صاروا البنات يرمو عالشباب كلام أنا نفسي بأستحي أحكيه، واحد بيسرق 100 مليون عينك عينك بيحبسوه 3 سنين بفيلاّ على الشط. واثنان عم بينبشوا بمكبّ الزبالة بتقوصهن الشرطة. إنتو بدّكم إبليس إنتوا؟ صار عندكم فائض بالفساد بكفّي 30 سنة لقدّام. صرت أخاف على حالي منكم يا زلمة صرت اتجبر مرّات وسوس بالمقلوب وقول للمسؤول ارحم، وللحرامي بيكفّي.. خلّي شويّ للحراميّة اللي رح ييجوا بعدك.. يعني إذا إنتو لحالكن ما شاء الله بتعملوا كل هالبلاوي. أنا إبليس شو أعمل ؟ أشتغل شوفير تكسي يعني ولاّ أفتح صالون حلاقة ؟ ماضلّ غير أقدّم للأوقاف يعيّنوني إمام جامع!!! فقد قرأت مرة عن فتوى حرمة الاستهزاء به عن طريق الرسوم والقصص وحتى عن طريق تصغير اسمه.. جزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الكلام على المثال المذكور في السؤال نقدم له بالآتي:
أولا: اختلف أهل العلم في حكم القصص الخيالية التي ليس فيها حرام أو دعوة إليه، فذهب بعضهم إلى كراهتها، ورجح بعضهم جوازها والترخيص فيها إذا كان الهدف منها نبيلا كتعليم علم أو دعوة إلى فضيلة، أو كانت تعالج قضايا اجتماعية وأخلاقية ونحو ذلك. وهذا هو ما نراه.
وقد سبقت فتاوى مفصلة في هذا الشأن بأرقام: 109936، 13278، 95430، 108286.
ثانيا: مجرد الاستهزاء بالشيطان لا نعلم دليلا على منعه لذاته، بل إن تحقير الشيطان وإغاظته ولعنه مطلب شرعي، فنحن نقول في الاستعاذة "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" والرجيم بمعنى: المبعد والمطرود من رحمة الله.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله ـ وفي رواية: يا ويلي ـ أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار. رواه مسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام: إذا نودي بالأذان أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع الأذان...إلخ متفق عليه.
ثالثا: لا يجوز رسم الشيطان؛ لدخوله في عموم ذوات الأرواح، ورسم ذوات الأرواح محرم على الراجح كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 100299، ورقم: 28529، ولدخوله كذلك في اتباع الإنسان ما لا علم له به؛ لأن صورة الشيطان الحقيقية مجهولة لنا، وقد قال الله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم {الإسراء: 36}
وفي ضوء ما سبق من مقدمات لا نرى حرجا في وضع قصة افتراضية على لسان الشيطان، وإن تضمنت استهزاء به، طالما كانت تخدم هدفا نبيلا، وطالما كان القارئ يدرك أنها افتراضية.
أما بالنسبة للمثال المذكور في السؤال، فالظاهر أن المقصود منه بيان استشراء الفساد في المجتمع، وهذا لا حرج فيه، لكن لنا عليه تحفظ؛ إذ إن الشيطان لم ولن يكف عن إغواء بني آدم مهما كثرت معاصيهم، فهو لا يقنع منهم بدون الكفر بالله، بل يحاول يستدرج الإنسان شيئا فشيئا بدءا من إشغاله بالعمل الفاضل عن المفضول، ومرورا بإيقاعه في المعاصي، وانتهاء بإيقاعه في الكفر بالله تعالى.
وأيضا فإن الشيطان يحرص على إضلال العبد ويستمر في ذلك حتى عند الموت، ولذلك كان من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام: وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت. رواه أبو داود والنسائي وأحمد وصححه الألباني.
فعلى ذلك يلزم تعديل مضمون القصة المذكورة.
والله أعلم.