عنوان الفتوى : الرجل يكون في السفر، فتصيبه الجنابة، ومعه قليل من الماء
فضيلة الشيخ ما الحكم في شاب كان في رحلة برية و احتلم ولم يكن يتوفر عنده ماء إلا القليل، ومحدود للوضوء وللطبخ. وكان الجو بارداً ولم يغتسل واقتصر على غسل العضو الذكري فقط، ومن ثم التييم طيلة الفترة التي لم يتوفر فيها الماء. فهل يكفي هذا للتطهر؟ و هل عليه شيء؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كان الحالُ هو ما وصفت، ولم يكن معكَ من الماء إلا ما تحتاجُ إليه فلا شيء عليكَ إن شاء الله، وصلاتُكَ صحيحة إذا كنت قد اتقيت الله ما استطعت .
فإن التيمم هو طهورُ من عدم الماء، أو وجدَ منه ما لا يكفيه للوضوء والغسل، وذلك لحديث عمران بن حصين رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ فَقَالَ يَا فُلَانُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ قَالَ عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ. رواه الشيخان.
وعن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الصعيد طهور لمن لم يجد الماء عشر سنين. رواه أصحاب السنن، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقد نص الفقهاء على أن من لم يجد من الماءِ إلا ما يكفيه لشربه أو شرب رقيقه وبهائمه، أو كان يحتاج إليه في عجنٍ أو طبخ، فإنه يُقدم حاجته ويعدل عن الوضوء أو الغسل إلى التيمم.
قال ابن قدامة في المغني: قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المسافر إذا كان معه ماء، وخشي العطش، أنه يبقي ماءه للشرب، ويتيمم، منهم: علي وابن عباس والحسن وعطاء ومجاهد وطاوس وقتادة والضحاك والثوري ومالك والشافعي وإسحاق، وأصحاب الرأي. ولأنه خائف على نفسه من استعمال الماء، فأبيح له التيمم كالمريض. انتهى.
وقال الامام أحمد رضي الله عنه: عدة من الصحابة تيمموا وحبسوا الماء لشفاههم .
وعن علي رضي الله عنه أنه قال في الرجل يكون في السفر، فتصيبه الجنابة، ومعه قليل من الماء، يخاف أن يعطش: يتيمم ولا يغتسل . رواه الدارقطني.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : يقول الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. (التغابن:16)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. فإذا كان إنسان في مكان ليس فيه إلا ماء قليل لا يكفي الغسل فإنه يغسل به ما أمكن من جسده ثم يتيمم للباقي؛ لأنه معذور، كالذي في البرية أو في سجن لا يعطى ماء إلا لشربه وليس عنده ماء يكفيه للغسل ولا يعطى ماءً للغسل، فإنه يغتسل بالذي عنده فيغسل بعض بدنه كرأسه وصدره ونحو ذلك فيستنجي منه ويتيمم للباقي، يعني يضرب التراب بيديه بنيَّة الطهارة ويمسح بهما وجهه وكفيه عن بقية بدنه، ناوياً بذلك الطهارة من الجنابة، وإن نوى الطهارة من الجنابة وجميع الأحداث صح ذلك وصارت طهارته كاملة عن الحدث الأكبر والأصغر جميعاً؛ عملاً بقوله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ..، وإذا كان الماء الذي عنده يحتاجه للشرب ويخشى من العطش فإنه لا يغتسل به، بل يتيمم عن الجميع ويبقي الماء عنده لحاجته؛ عملاً بقوله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.. وعملاً بقوله عز وجل: ..وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ.. (195) سورة البقرة.
وأما إذا كان هذا الماء الذي ذكرت أنه يكفي للوضوء، إن كان يكفي للوضوء مدة، ويكفيه إن اغتسل في الحال فكان عليه أن يبادر بالاغتسال ليرفع عن نفسه الجنابة، ثم إذا عدم الماء بعد ذلك ولم يكن عنده إلا ما يكفيه لشربه وحاجته أجزأه التيمم، وإذا كان الأمر على ما وصفنا، وكان ما معه من الماء يكفيه للغسل في الحال ولم يفعل، فالواجب عليه إعادة تلك الصلوات التي صلى بالتيمم مع القدرة على الاغتسال، لفوات شرط من شروط الصلاة، وعند شيخ الإسلام أنه يُعذر بجهله وتأويله، والقول الأول وهو لزوم القضاء أحوط، ولكن إن كان إنما منعه من الاغتسال برودة الجو، بحيث كان يتضرر إن اغتسل فلا شيء عليه وتيممه صحيح مجزئ.
والله أعلم.